الغزالي (أبو حامد)  

هو محمد بن محمد بن محمد بن أحمد الغزالي, أبو حامد, حجة الإسلام, زين الدين, الطوسي (نسبة إلى مدينة طوس) - يعرف باسم (الغزالي) بتشديد الزاي لمن ينسبه إلى صناعة الغزل, ويقال له (الغزالي) بتخفيف الزاي لمن ينسبه إلى (غزالة) من قرى طوس . توفي والده وهو لا يزال صغير السن, فعهد به وبأخيه أحمد إلى صديق له من المتصوفة فرباهما على العبادة والعلم, فانقطعا إلى العلم. ولما شب سافر إلى (نيسابور) ودرس فقه الشافعية على عبد الملك بن عبد الله الجويني الملقب (إمام الحرمين) ولم يزل ملازما له حتى توفي سنة 478 هـ, وبعد وفاة أستاذه قصد الوزير نظام الملك وأقام معه زمنا, فلما أنشأ الوزير المدرسة النظامية في بغداد عينه مدرسا فيها, فنال شهرة واسعة لفصاحة لسانه, وانصرف إلى دراسة الفلسفة درسا عميقا, فطالع كتب الفارابي وابن سينا وألف كتابه (مقاصد الفلاسفة) , وفيه التزم البحث العلمي والحياد التام, ثم ألف بعده كتاب (تهافت الفلاسفة) وفيه أبدى شكوكه في قيمة العلم وبراهينه المنطقية, وقد بلغت شكوكه حدا جعلته يعتزل التدريس ويترك الأهل والولد ويزهد في المال. وفي عام 488 هـ خرج من بغداد وناب عنه أخوه أحمد في التدريس وقصد الحج, فلما رجع توجه إلى الشام وأقام في دمشق مدة ثم انتقل إلى بيت المقدس ثم قصد مصر وأقام في الإسكندرية مدة, ويقال إنه كان ينوي الركوب في البحر إلى بلاد المغرب للاجتماع بمراكش بالأمير يوسف بن تاشفين أمير المرابطين, غير أنه رجع عن ذلك حين بلغه وفاة الأمير (ت: 500 هـ) , فعاد إلى وطنه (طوس) واشتغل في تأليف الكتب في عدة فنون, فصنف في الفقه كتاب (إحياء علوم الدين) كتاب (الوسيط) و (البسيط) و (الوجيز) , وصنف في أصول الفقه كتاب (المستصفى) وصنف في علم الجدل كتاب (المنحول والمنتحل) وصنف في الفلسفة كتاب (مقاصد الفلاسفة) وكتاب (تهافت الفلاسفة) و (معيار العلم) و (المنقذ من الضلال) و (حقيقة القولين) وألف في الرد على الباطنية (فضائح الباطنية) وبه يرد عليهم ويشهد بفضائل الخليفة العباسي المستظهر بالله (ت: 512 هـ) والمعروف باسم كتاب (المستظهري) . ثم دعي للتدريس في المدرسة النظامية بنيسابور فأجاب, ولم تطل إقامته فيها, وما لبث أن عاد إلى وطنه واتخذ مكانا (خانقاه) للصوفية ومدرسة للمشتغلين بالعلم في جواره, ووزع أوقاته على أعمال الخير ومجالسة أهل التصوف والتدريس إلى أن توفي في الرابع عشر من شهر جمادى الآخرة سنة 505 هـ بعد حياة مليئة بالعلم والتعليم والدعوة إلى الخير دامت خمسا وخمسين سنة ودفن بطوس. وصل الغزالي من دراساته الفلسفية إلى ما وصل إليه الفيلسوف الألماني (كانت kant) فيما بعد, فقد رأى أن العقل ليس مستقلا بالإحاطة بجميع المطالب ولا كاشفا الغطاء عن جميع المعضلات, وأنه لابد من الرجوع إلى القلب فهو الذي يستطيع أن يدرك الحقائق الإلهية بالذوق والكشف, وذلك بعد تصفية النفس بالعبادات والرياضة الصوفية وهو بذلك حاول أن يخضع العلم والعقل للوحي والدين لكي يصل إلى الحقيقة العليا. وعلى الرغم من محاولته إخضاع العلم والعقل للوحي والدين فإنه يمجد العقل ويرى فيه - كما جاء في كتابه إحياء علوم الدين - منبع العلم ومطلعه وأساسه, وإن العلم يجري منه مجرى الثمرة من الشجرة والنور من الشمس. وقد أثار قراءة كتابه إحياء علوم الدين في بلاد المغرب موجة من الغضب عند المرابطين, ذلك أن الغزالي قد فضح في كتابه نزعات الفقهاء في دراساتهم والفقهية وحرصهم على الدنيا وطمعهم في الحصول على المناصب الرفيعة وحسدهم للعلماء والزهاد, ولم يكن العلم في نظر الغزالي حرفة كالحرف أو مهنة دنيوية تعود على صاحبها بالربح العاجل وإنما هو (عبادة القلب وصلاة السر وقربة الباطن إلى الله تعالى) فاتخذ الفقهاء قرارا أملوه على السلطان علي بن يوسف بن تاشقين سنة 503 هـ يقضي بإحراق كتب الغزالي في جميع أنحاء دولة المرابطين, وكان من الطبيعي أن يثور أهل المغرب على هذا التصرف فانبثقت منه ثورة المهدي بن تومرت. له شعر يعبر فيه عما في نفسه منه قوله:

تـركت هـوى ليـلى وسـعدى بمعزل

وعــدت إلـى تصحـيح أول مـنزل

ونـادت بـي الأشـواق مهـلا فهـذه

منـازل مـن تهـوى رويـدك فـانزل

غـزلت لهـم غـزلا دقيقـا فلـم أجد

لغــزلي نســاجا فكسـرت مغـزلي

من تاريخ أبن كثير : البداية والنهاية - موقع تاريخ الإسلام

عودة إلى موقع الغزالي - عودة إلى صفحة التراجم الثانوية