مرآة الجنان وعبرة اليقظان

 أبو محمد عبدالله بن أسعد بن علي نزيل الحرمين الشريفين اليمني المعروف باليافعي

 بسم الله الرحمن الرحيم

قال العبد الفقير إلى لطف الله الكريم سيدنا الشيخ الإمام العالم العلامة علم العلماء وقدوة العرفاء أبو محمد عبدالله بن أسعد بن علي نزيل الحرمين الشريفين اليمني المعروف باليافعي‏:‏ اما بعد حمدا لله المتوحد بالإلهية والكمال والعظمة والسلطان مميت الأحياء ومحيي الأموات المعروف بالرحمة والإحسان موجد الوجود ومفيض الفضل والجود في سائر الأكوان الأزلي الأبدي الحي الباقي وكل من عليها فان‏.‏

وصلواته وسلامه على رسوله الحبيب الكريم المنتخب من نسل عدنان النازل في ذروة علياء المفاخر المجلي عند استباق الأصفياء النجباء يوم الرهان وعلى آله وأصحابه الغر الكرام المعز بهم دين الإسلام السامي على سائر الأديان‏.‏

فهذا كتاب لخصته واختصرته مما ذكره أهل التواريخ والسير أولو الحفظ والاتقان في التعريف بوفيات بعض المشهورين المذكورين الأعيان وغزوات النبي صلى الله عليه وآله وسلم وشيء من شمائله ومعجزاته ومناقب أصحابه وأموره وأمور الخلفاء والملوك وحدوثها في أي الأزمان على وجه التقريب لمعرفة المهم من ذلك دون الاستيعاب واستقصاء ذكر الأوصاف والأنساب لأستغني به في معرفة ما تضمنه عن الحاجة إلى استعارة التواريخ للمطالعة في بعض الأحيان معتمداً في الشمائل والمناقب على ما أفصح به كتاب الشمائل للترمذي وجامعه فنى من صروف الدهرحزم مجانب تعاطى أمور معطيات لمتعاطي قنوع بما فيه الخبير أقامه وقدره راضي القضا غير مسخاط أجر رب من كل البلايا وفتنة بدنيا بها كم ذي افتنان وكم خاطي وكم غارق في بدرها جاء شطه فكيف بمن للبدر قد جاوز الشاطي وسميته مرآة الجنان وعبرة اليقطان في معرفة حوادث الزمان وتقليب أحوال الإنسان وتاريخ موت بعض المشهورين من الأعيان مرتباً على سني الهجرة النبوية والله الموفق المستعان والحمد لله رب العالمين على كل حال‏.‏

 


سنة احدى وخمس مائة

فيها كانت وقعة كبيرة بالعراق بين سيف الدولة صدقة بن منصور امير العرب وبين السلطان محمد فقتل صدقة في المصاف‏.‏

وفيها كان الحصار على صور وطرابلس والشام في ضرمع الفرنج‏.‏وفيها توفي ابو علي تميم بن معز ابن السلطان ابي يحيى الحميري الصنهاجي ملك افريقية وما والاها بعد ابيه وكان حسن السيرة محمود الاثار محباً للعلماء معظماً للفضلاء مقصداً للشعراء كامل الشجاعة وافر الهيبة عاش تسعاً وتسعين سنة وكانت دولته ستاً وخمسين سنة وخلف من البنين اكثر من مائة ومن البنات ستين - على ما ذكر ابن شداد في تاريخ القيروان - وتملك بعده ابنه يحيى وفيه يقول ابو علي الحسن بن رشيق القيرواني‏:‏ اصح واقوى ما سمعناه في الندا من الخبر الماثور منذ قديم احاديث ترويها السيول عن الحيا عن البحر عن كف الامير تميم ولتميم المذكور اشعار حسنة منها قوله‏:‏ سل المطر العام لذي عم ارضكم اجاء بمقدار الذيى فاض من دمعي اذا كنت مطبوعاً على الصد والجفا فمن اين لي صبر فاجعله طبعي وكان يجيز الجوائز السنية ويعطي العطايا الجزيلة الهنيئة وفي ايام ولايته اخذ المهدي محمد بن تومرت افريقية عند عوده من بلاد الشرق واظهر بها الانكار على من راه خارجاً عن سنن الشريعة ومن هناك توجه الى مراكش وكان منه ما كان على ما سياتي قريباً وكان قد فوض الى تميم المذكور ابوه في حياته ولاية المهدية ولم يزل بها الى ان توفي والده فاستبد بالملك ولم يزل كذلك الى ان توفي‏.‏

وفيها توفي صدقة بن منصور مقتولاً كما تقدم وذلك يوم الجمعة سلخ جمادى الاخرة‏.‏

وقتل معه ثلاثة الاف فارس وكان شيعياً له محاسن ومكارم وحلم وجود ملك العرب بعد ابيه اثنتين وعشرين سنة وكان ذا باس وسطوة وهيبة نافر السلطان محمد ابن ملك شاه السلجوقي واقتضت الحال الحرب بينهما الى ان قتل في المعركة في التاريخ المذكور وحمل راسه الى بغداد وكانت امارة ابيه سبعاً وستين سنة‏.‏وفي السنة المذكورة توفي الرجل الصالح ابو محمد عبد الرحمن بن احمد الصوفي الدوني راوي السنن عن ابي نصر الكسار وكان زاهداً عابداً سفياني المذهب‏.‏

وفيها توفي ابو الفرج القزويني محمد ابن العلامة ابي حاتم محمود بن احمد بن الحسن الانصاري وكان فقيهاً صالحاً وفيها توفي ابو سعد الاسدي محمد بن عبد الملك البغدادي المؤدب‏.‏

سنة اثنتين وخمس مائة فيها حاصر جاولي بالجيم الموصل - وبها زنكي - فانجده صاحب الروم ارسلان ففر جاولي ودخل ارسلان الموصل وحلفوا له ثم التقى جاولي وارسلان في ذي القعدة فحمل ارسلان بنفسه وضرب يد حامل العلم فابانها ثم ضرب جاولي بالسيف فقطع السيف بعض لبوسه وحمل اصحاب جاولي على الروميين فهزموهم وبقي ارسلان في الوسط فهز فرسه ودخل نهر الخابور فدخل به الفرس في ماء عميق فغرق وطفا بعد ايام فدفن وساق جاولي فاخذ الموصل فظلم وغشم‏.‏

وفيها تزوج المستظهر بالله باخت السلطان محمد‏.‏

وفيها ظهرت الاسماعيلية بالشام ثم خذلت واخذتهم السيوف فلم ينج منهم احد‏.‏

وفيها قتلت الباطنية الاسماعيلية بهمذان قاضي القضاة عبيد الله بن علي الخطيبي‏.‏

وفيها قتلت باصبهان يوم عيد الفطر ابا العلاء صاعد بن محمد البخاري‏.‏

وفيها قتلت النيسابوري الحنفي المفتي احد الائمة‏.‏وفيها قتلت بجامع امد يوم الجمعة في شهر الله المحرم فخر الاسلام القاضي ابا المحاسن عبد الواحد بن اسماعيل بن احمد الروياني الفقيه الامام الشافعي مذهباً احد الرؤوس الاكابر في ايامه شيخ الشافعية فروعاً واصولاً وخلافاً صاحب التصانيف السنية سمع الشيخ ابا الحسن عبد الغافر بن محمد الفارسي وابا عبيدالله محمد بن بيان الكازروني وتفقه على مذهب الامام الشافعي وروى عنه زاهر بن طاهر الشحامي وغيره‏.‏

وكان له الجاه العظيم والحرمة الوافرة وكان الوزير نظام الملك كثير التعظيم له بكمال فضله رحل الى بخارى ودخل غزنة ونيسابور ولقي الفضلاء وحضر مجلس ناصر المروزي وعلق عنه الحديث وبنى بامل طبرستان مدرسة ثم انتقل الى الري ودرس بها وقدم اصبهان واملا بجامعها وصنف الكتب المفيدة منها‏:‏ بحر المذهب هو من اطول كتب الشافعية وكتاب الكافي وكتاب حيلة المؤمن وصنف في الاصول والخلاف‏.‏

ونقل عنه انه يقول‏:‏ لو احترقت كتب الشافعي لامليتها من خاطري ذكره الحافظ ابو محمد عبدالله بن يوسف القاضي في طبقات ائمة الشافعي واثنى عليه‏.‏

وذكره الحافظ يحيى بن منده فاثنى عليه وروى الحديث عن خلق كثير في بلاد متفزقة‏.‏

وقال الحافظ ابو طاهر السلفي‏:‏ بلغنا ان ابا المحاسن الرؤياني املى بمدينة امل وقتل بعد فراغه من الاملاء بسبب التعصب في الدين‏.‏

وذكر الحافظ ابو سعد السمعاني انه قتل في الجامع يوم الجمعة - الحادي عشر من المحرم - من السنة المذكورة قتله الملاحمة وقال بعضهم‏:‏ عاش سبعاً وثمانين سنة‏.‏

وعظم الخطب بهؤلاء الملحدين وخافهم كل امير وعالم بهجومهم على الناس‏.‏

وفي السنة المذكورة توفي ابو القاسم الربعي علي بن الحسين الفقيه الشافعي المعتزلي ببغداد قلت‏:‏ يعنون انه شافعي الفروع معتزلي الاصول كما قيل ان جار الله الزمخشري حنفي الفررع معتزلي الاصول واشباه ذلك كثر يكون احدهم فروعي مذهب اخر‏.‏

وفيها توفي ابو زكريا التبريزي الخطيب صاحب اللغة يحيى بن علي بن محمد الشيباني صاحب التصانيف اخذ اللغة عن ابي العلاء المعري وسمع من سليمان بن ايوب بصور وكان شيخ بغداد في الادب‏.‏

وسمع الحديث بمدينة صور من الفقيه ابي الفتح سليم بن ايوب الرازي وجماعة وروى عنه الخطيب الحافظ ابو بكر وغيره من اعيان الائمة وتخرج عنه خلق كثير وتلمذوا له وصنف في الحماسة وشرح ديوان المتنبي وشرح المعلقات السبع وله تهذيب غريب الحديث وتهذيب اصلاح المنطق ومقدمات حسنة في النحو وكتاب الكافي في علم العروض والقوافي وشرح سقط الزند للمعري وله الملخص في اعراب القران في اربع مجلدات ودرس الادب في حنش نظامية بغداد ودخل مصر فقرا عليه ابن بابشاذ شيئاً من اللغة‏.‏

وفيها توفي محمد بن عبد الكريم بن حشيش البغدادي رحمه الله تعالى‏.‏

 سنة ثلاث وخمس مائة

في ذي الحجة منها اخذت الفرنج طرابلس بعد حصار سبع سنين وكان المدد ياتيها من مصر في البحر‏.‏وفيها اخذوا بانياس‏.‏

وفيها اخذ صاحب انطاكية طرطوس وحصن الاكراد‏.‏

وفيها توفي ابو بكر احمد بن المظفر بن سوسن رحمه الله‏.‏

وفيها توفي الحافظ ابو الفتيان عمر بن عبد الكريم الرواسي طوف خراسان والعراق والشام ومصر وكتب عن الصابوني وطبقته‏.‏

وفيها توفي ابو سعد المطرز بن محمد الاصبهاني في نيف وتسعين سنة سمع الحسين ابن ابراهيم وابا علي غلام محسن وغيرهما وهو اكبر شيخ للحافظ ابي موسى المديني سمع منه حضوراً‏.‏

فيها اخذت الفرنج بيروت بالسيف ثم اخذوا صيدا بالامان واخذ صاحب انطاكية بعض الحصون وعظم المصاب وتوجه خلق كثير من المطوعة يستصرخون الدولة ببغداد على الجهاد واستغاثوا وكسروا منبر جامع السلطان وكثر الضجيج فشرع السلطان في اهبة الغزو‏.‏

وفيها توفي ابو الحسين الخشاب يحيى بن علي بن الفرج المصري شيخ الاقراء با لروايات‏.‏

وفيها توفي اسماعيل بن ابي الحسين عبد الغافر بن محمد الفارسي ثم النيسابوري‏.‏

وابو يعلى حمزة بن محمد بن علي البغدادي اخو طراد الزينبي‏.‏

وفيها توفي ابو الحسن علي بن محمد بن علي الطبري الفقيه الشافعي المعروف بالكيا بكسر الكاف وفتح المثناة من تحت والتخفيف وبعدها الف وهي في اللغة العجمية الكبير القدر المقدم بين الناس كان من اهل طبرستان فخرج الى نيسابور وتفقه على امام الحرمين ابي المعالي الجويني مدة الى ان برع وكان حسن الوجه جهوري الصوت فصيح العبارة حلو الكلام وخرج من نيسابور الى بيهق ودرس بها مدة ثم خرج الى العراق وتولى التدريس بالنظامية ببغداد الى ان توفي‏.‏

ذكره الحافظ عبد الغافر بن اسماعيل الفارسي وقال‏:‏ كان من درس معيداً امام الحرمين في الدروس وكان ثاني ابي حامد الغزالي بل ارجح منه في الصوت والمنظر ثم اتصل بخدمة الملك بركيا روق - بالموحدة قبل الراء والمثناة من تحت بين الكاف والراء مكررة قبل الكاف والواو ابن ملك شاه السلجوقي وحظي عنده بالمال والجاه وارتفع شانه وتولى القضاء بتلك الدولة وكان يستعمل الاحاديث في ميادين الكفاح اذا طارت رؤوس المقاييس في مهاب الرياح‏.‏

قال الحافظ ابو طاهر السلفي‏:‏ استفتيت شيخنا ابا الحسن المعروف بالكيا وقد جرى بيني وبين الفقهاء كلام في المدرسة النظامية - ما يقول الامام - وفقه الله تعالى - في رجل اوصى بثلث ماله للعلماء والفقهاء هل يدخل كتبة الحديث تحت هذه الوصية ام لا فكتب الشيخ تحت السؤال‏:‏ نعم كيف لا وقد قال النبي - صلى الله عليه واله وسلم ‏"‏ من حفظ على امتي اربعين حديثاً من امر دينها بعثه الله تعالى يوم القيامة فقيهاً عالماً ‏"‏ انتهى‏.‏

قلت الظاهر - والله اعلم انه محمول على ما اذا عرف معنى الحديث واحكامه والا فلا يدخل في الوصية وقد وقفت بعد قولي هذا على ما يؤيده - والحمد لله تعالى - وهو ما نص عليه الامام الرافعي وقرره الامام النووي في الروضة قال‏:‏ فيما اذا اوصي للعلماء لا يدخل فيهم الذين يسمعون الحديث ولا علم لهم بطرقه ولا باسماء الرواة ولا بالمتون فان السماع المجرد ليس بعلم‏.‏

توفي رحمه الله تعالى يوم الخميس مستهل السنة المذكورة ودفن في تربة الشيخ ابي اسحاق الشيرازي وحضر دفنه الشريف ابو طالب الزينبي وقاضي القضاة ابو الحسن الدامغاني وكانا مقدمي الطائفة الحنفية وكان بينه وبينهما مناقشة فوقف احدهما عند راسه والاخر عند وما تغني النوادب والبواكي وقد اصبحت مثل حديث امس وانشد الزينبي متمثلاً‏:‏ عقم النساء فما يلدن شبيهه ان النساء بمثله عقم وكان في خدمته بالمدرسة النظامية ابراهيم بن عثمان الغزي الشاعر المشهور فرثاه بابيات منها قوله‏:‏

هي الحوادث لا تبقي ولا تذر ** ما للبرية عن محتومها وزر

لو كان ينجي علو من بوائقها ** لم تكسف الشمس بل لم يخسف القمر

قل للجبان الذي امسى على حنر ** من الحمام متى رد الردى الحدر

بكى على شمسه الاسلام اذ افلت ** بادمع قل في تشبيهها المطر

حبر عهدناه طلق الوجه مبتسماً ** والبشر احسن ما يلقى به البشر

لئن طوته المنايا تحت اخمصها ** فعلمه الجم في الافاق منتشر

اخا ابن ادريس كنت تورده ** تحار في نظمه الاذهان والفكر

وكان قد سئل في حياته عن يزيد بن معاوية فقدح فيه وشطح وكتب فصلاً طويلاً ثم قلب وكتب‏:‏ فلان ابن فلان‏.‏

قال ابن خلكان‏:‏ وقد افتى الامام ابو حامد الغزالي رحمه الله تعالى في مثل هذه المسالة بخلاف ذلك فانه سئل عمن صرح بلعن يزيد هل يحكم بفسقه ام هل يكون ذلك مرخصاً فيه وهل كان مريداً قتل الحسين رضي الله تعالى عنه ام كان قصده الدفع وهل يسوغ الترحم عليه ام السكوت افضل انعم بازالة الاشتباه مثاباً فاجاب‏:‏ لا بجوز لعن مسلم اصلاً ومن لعن مسلماً فهو الملعون وقد قال رسول الله - صلى الله عليه واله وسلم -‏:‏ ‏"‏ المسلم ليس بلعان ‏"‏ لما وكيف يجوز لعن مسلم ولا يجوز لعن البهائم - وقد ورد النهي عن ذلك - وحرمة المسلم اعظم من حرمة الكعبة بنص النبي صلى الله عليه واله وسلم ويزيد صح اسلامه وما صح قتله للحسين ولا امره به وما لم يصح منه ذلك لا يجوز ان يظن ذلك به فان اساءة الظن بالمسلم حرام وقد قال الله تعالى‏:‏ ‏"‏ اجتنبوا كثيراً من الظن ان بعض الظن اثم ‏"‏ - الحجرات - وقال النبي صل الله عليه واله وسلم‏:‏ ‏"‏ ان الله حرم من المسلم دمه وماله وعرضه وان يظن به ظن ‏"‏‏.‏

ومن زعم ان يزيد امر بقتل الحسين رضي الله تعالى ورضي به - فينبغي ان يعلم به غاية حماقة فان من قتل من الاكابر والوزراء والسلاطين في عصره لو اراد احد ان يعلم حقيقة من الذي امر بقتله ومن الذي رضي به ومن الذي - وان كرهه لم يقدر على ذلك كان قد قتل بجواره وزمانه وهو يشاهده فكيف يعلم ذلك فيما انقضى عليه قريب من اربعمائة سنة في مكان بعيد فهذا لا يعرف حقيقته اصلا واذا لم تعرف وجب احسان الظن بكل مسلم يمكن احسان الظن به ومع هذا فالقتل ليس بكفر بل هو معصية وربما مات القاتل بعد التوبة ولو جاز لعن احد فسكت عن ذلك لم يكن الساكت عاصياً بل لو لم يلعن ابليس طول عمره لا يقال له في القيامة لم لم تلعن ابليس واما الترحم عليه فانه جائز بل مستحب اذ هو داخل في قوله‏:‏ اللهم اغفر للمؤمنين والمؤمنات‏.‏

والله اعلم‏.‏

- كتبه الغزالي -‏.‏

قلت‏:‏ ينبغي ان يوضح الامر في ذلك ويفصل وهو انه لا يخلو‏:‏ اما ان يعلم انه امر بقتله فلا يخلو اما ان يكون معتقداً جله اولا فان استحله فقد كفر وان امر به ولى يستحله فقد فسق فليس القتل مقتضياً للكفر الا اذا كان قتلاً لنبي وان لم يعلم انه امر بقتله فلا يجوز ان يفسق بمجرد ظن ذلك والله اعلم‏.‏سنة خمس وخمس مائة فيها جاءت عساكر العراق والجزيرة لغزو الفرنج فنازلوا الرها فلم يقدروا ثم ساروا وقطعوا الفرات ونازلوا بعض بلاد الفرنج خمسة واربعين يوماً فلم يصنعوا شيئاً واتفق موت مقدمهم واختلافهم فردوا وطمعت الفرنج في المسلمين وتجمعوا فحاصروا صور مدة طويلة‏.‏

وفيها كانت ملحمة كبيرة بالاندلس بين ابن تاشفين وبعض ملوك الفرنج وانتصر المسلمون واسروا وقتلوا وغنموا مالاً يعبر عنه وذلت الفرنج‏.‏

وفيها توفي ابو محمد الابنوسي عبدالله بن علي البغدادي المحدث سمع من ابي القاسم التنوخي والجوهري‏.‏

وفيها توفي ابو الحسن بن العلاف علي بن محمد البغدادي الحاجب مسند العراق‏.‏

وفيها توفي الامام حجة الاسلام زين الدين ابو حامد محمد بن محمد بن محمد بن احمد الطوسي الغزالي احد الائمة الاعلام اشتغل في مبدا امره بطوس على احمد الزادكاني ثم قدم نيسابور واختلف الى دروس امام الحرمين ابي المعالي الجويني وجد في الاشتغال حتى تخزج في مدة قريبة وصار من الاعيان المشاهير المشار اليهم في زمن اساتذتهم وصنف في ذلك الوقت وكان استاذه يتبجح به ولم يزل ملازماً الى ان توفي في التاريخ المذكور في ترجمته فخرج من نيسابور الى العسكر ولقي الوزير نظام الملك فاكرمه وعظمه وبالغ في الاقبال عليه وكان بحضرة الوزير جماعة من الافاضل فجرى بينهم الجدال والمناظرة في عدة مجالس وظهر عليهم واشتهر اسمه وسارت بذكره الركبان ثم فوض اليه الوزير تدريس مدرسته - النظامية - بمدينة بغداد فجاءها وباشر القاء الدروس بها وذلك في جمادى الاولى سنة اربع وثمانين واربعمائة‏.‏

فعجب به اهل العراق وارتفعت عندهم منزلته ثم ترك جميع ما كان عليه وسلك طريق الزهد والانقطاع وقصد الحج‏.‏

وذكر في الشذور انه خرج من بغداد في سنة ثمان وثمانين واربع مائة متوجهاً الى بيت المقدس متزهداً لابساً خشن الثياب وناب عنه اخوه في التدريس ثم ذكره في سنة خمس وخمس مائة‏.‏

فلما رجع توجه الى الشام فاقام بمدينة دمشق مدة يذكر الدروس في زاوية الجامع - في الجانب الغربي منه - وانتقل منها الى بيت المقدس واجتهد في العبادة وزيارة المشاهدة والمواضع المنظمة ثم قصد مصر واقام بالاسكندرية مدة ويقال انه قصد منها الركوب في البحر الى بلاد المغرب على عزم الاجتماع بالامير يوسف بن تاشفين صاحب مراكش - وسياتي ذكره ان شاء الله تعالى فبينا هو كذلك بلغه نعي يوسف المذكور فصرف عنانه من تلك الناحية ثم عاد الى وطنه بطوس‏.‏

قلت هذه الزيادة في ذكر دخوله مصر والاسكندرية وقصده الركوب الى ملك بلاد المغرب غير صحيحة فلم يذكر ابو حامد في كتابه‏:‏ المنقذ من الضلال - سوى اقامته ببيت المقدس ودمشق ثم حج ورجع الى بلاده والعجب كل العجب كيف يذكر انه قصد الملك المذكور لارب - وهو من الملوك والمملكة هرب - فقد كان له في بغداد الجاه الوسيع والمقام الرفيع فاحتال في الخروج عن ذلك وتعلل بانه الى الحج سالك لاداء ما عليه من فروض المناسك ثم عدل الى الشام واقام بها ما اقام وكذا علماء التاريخ الحفاظ الاكابر ومنهم الامام الجليل ابو القاسم ابن عساكر - لم يذكر هذه الزيادة التي تنافي رفع همته عن المقاصد الدنية لاعراضه عن الدنيا والخلق بالكلية ولما عاد الى الوطن اشتغل بنفسه واثر الخلوة وصنف الكتب المفيدة في الفنون العديدة‏.‏ومن مشهورات مصنفاته‏:‏ الوسيط والبسيط والوجيز والخلاصة في الفقه ومنها احياء العلوم‏:‏ وهو من انفس الكتب واجملها‏.‏

وله في اصول الفقه‏:‏ المستصفى والمنخول والمنتحل في علم الجدل وتهافت الفلاسفة ومحك النظر ومعيار العلم والمقاصد والمظنون به على غير اهله ومشكاة الانوار والمنقذ من الضلال وحقيقة القولين وكتاب ياقوت التاويل في تفسير التنزيل اربعين مجلداً وكتاب اسرار علم الدين وكتاب منهاج العابدين والدرة الفاخرة في كشف علوم الاخرة وكتاب الانيس في الوحدة وكتاب القربة الى الله عز وجل وكتاب اختلاف الابرار والنجاة من الاشرار وكتاب بداية الهداية وكتاب جواهر القران والاربعين في اصول الدين وكتاب المقصد الاسنى في شرح اسماء الله الحسنى وكتاب ميزان العمل وكتاب القسطاس المستقيم وكتاب التفرقة بين الاسلام والزندقة وكتاب الذريعة الى مكارم الشريعة وكتاب المنادى والغايات وكتاب كيمياء السعادة وكتاب تدليس ابليس لعنه الله‏.‏

وكتاب نصيحة الملوك وكتاب الاقتصاد في الاعتقاد وكتاب شفاء العليل في مسائل التعليل وكتاب اساس القياس وكتاب المقاصد وكتاب الجام العوام عن علم الكلام وكتاب الانتصار وكتاب الرسالة الدينية وكتاب الرسالة القدسية وكتاب ابيات النظر وكتاب الماخذ وكتاب القول الجميل في الرد على غير الانجيل وكتاب المستظهري وكتاب الامالي وكتاب في علم اعداد الوقف وحدوده وكتاب مفصل الخلاف وجزء في الرد على المنكرين في بعض الفاظ احياء علوم الدين‏.‏

وقال يمدحه تلميذه‏:‏ الشيخ الامام ابو العباس الاقلشي المحدث الصوفي صاحب كتاب النجم والكواكب وغيره‏:‏ ابا حامد انت المخصص بالحمد وانت الذي علمتنا سنن الرشد وضعت لنا الاحياء يحيي نفوسنا وينقذنا من طاعة المارد المردي فربع عبادات وعاداتها التي تعاقبها كالدر نظم في العقد وثالثها في المهلكات وانه لمنج من الهلك المبرح بل بعدي ورابعها في المنجيات وانه ليسرح بالارواح في جنة الخلد ومنها ابتهاج للجوارح ظاهر ومنها صلاح للقلوب من البعد وكتبه كثيرة وكلها نافعة ثم الزم بالعود الى نيسابور والتدريس بها بالمدرسة النظامية فاجاب الى ذلك بعد تكرار المعاودات ثم ترك ذلك وعاد الى بيته في وطنه واتخذ خانقاها للصوفية ومدرسة للمشتغلين بالعلم في جواره ووزع اوقاته على وظائف الخير من ختم القران ومجالسه اهل القلوب والقعود للتدريس الى ان انتقل الى ربه هذا ما ذكره بعض علماء التاريخ‏.‏

قلت‏:‏ الحبر الذي باهى به المصطفى سيد الانام موسى وعيسى - عليه وعليهما افضل الصلاة والسلام - في المنام الذي رويناها باسنادنا العالي عن الشيخ الامام القطب ابي الحسن الشاذلي والذي انتشر فضله في الافاق‏.‏

وتميز بكثرة التصانيف وحسنها على العلمماء وبرع في الذكاء وحسن العبارة وسهولتها وابدع خى صار افحام الفرق عنده اسهل من شرب الماء‏.‏

قال الشيخ الامام الحافظ ذو المناقب والمفاخر السيد الجليل ابو الحسن عبد الغافر الفارسي‏:‏ محمد بن محمد بن محمد ابو حامد الغزالي حجة الاسلام والمسلمين امام ائمة الدين لم تر العيون مثله لساناً وبياتاً ونطقاً وخاطراً وذكاء وطبعاً ابتدا في صباه بطرف في الفقه في طوس على الفقيه الامام احمد الزادكاني ثم قدم نيسابور مختلفاً الى درس امام الحرمين في طائفة من الشبان من طوس وجد واجتهد حتى تخرج عن مدة قريبة وصار انظر اهل زمانه واوحد اقرانه في ايام امام الحرمين فكانت الطلبة يستفيدون منه ويدرس لهم ويرشدهم ويجتهد في نفسه وبلغ الامر به الى ان اخذ في التصنيف‏.‏

وكان الامام - مع علو درجته وسمو عبارته وسرعة جريه في المنطق والكلام لا يصفي نظره الى الغزالي سراً لانافته عليه في سرعة العبارة وقوة الطبع ولا يطيب له تصديه للتصنيف - وان كان متخرجاً به منتسباً اليه كما لا يخفى من طبع البشر - ولكنه يظهر التبحح به والاعتداد بمكانه ظاهر اخلاق ما يضمره‏.‏ويقال على ما ذكره بعض المؤرخين انه لما صنف كتابه المنخول عرضه على امام الحرمين فقال‏:‏ دفنتني وانا حي فهلا صبرت الى ان اموت لان كتابك غطى على كتابي‏.‏

هكذا نقل عن امام الحرمين - والله اعلم مع كونه بالمحل للذي شهد له بفضله الجملة من افراد الائمة من ذلك ما تقدم عن الامام السمعاني ان الشيخ ابا اسحاق الشيرازي قال‏:‏ تمتعوا بهذا الامام فانه نزهة هذا الزمان يعني ابا المعاني الجويني - رحمة الله عليهم اجمعين - وما تقدم من وصفه بامام الائمة على الاطلاق وغير ذلك مما اشتهر من وصفه بالفضائل وبراعته في العلوم في الافاق ثم بقي كذلك الى ان انقضى ايام الامام فخرج من نيسابور وسار الى العسكر واحتل من مجلس نظام الملك محل القبول واقبل عليه الصاحب لعلو درجته وظهور اسمه وحسن مناظرته وجري عبارته وكانت تلك الحضرة محط رحال العلماء ومقصد الائمة والفصحاء فوقعت للغزالي اتفاقات حسنة من الاحتكاك بالائمة وملاقاة الخصوم ومناظرة الفحول ومناقدة الكبار وظهر اسمه في الافاق وارتفق بذلك اكمل الارتفاق حتى ادت الحال به الى ان رسم للمصير الى بغداد للتدريس بالمدرسه الميمونة النظامية بها فصار اليها واعجب الكل تدريسه ومناظرته وما لقي مثل نفسه وصار بعد امامة خراسان امام العراق ثم نظر في علم الاصول - وكان قد احكمه - فصنف فيه وجدد المذهب في الفقه فصنف فيه تصانيف وسبك الخلاف فحرر فيه ايضاً تصانيف وعلت حشمته ودرجته في بغداد حتى كادت تغلب حشمة الاكابر وامراء دار الخلافة فانقلب الامر من وجه اخر وظهر عليه بعد ممارسة العلوم الدقيقة وممارسة الكتب المصنفة فيها وسلك طريق التزهد والتالة وترك الحشمة وطرح ما نال من الدرجة ولازم الاشتغال باسباب التقوى وزاد الاخرة فخرج عما كان فيه وقصد بيت الله تعالى وحج ودخل الشام واقام في تلك الديار قريباً من عشر سنين يطوف ويزور المشهد المعظمة‏.‏

قلت‏:‏ هكذا ذكر بعض المؤرخين وقد قدمت في فساد ذلك من البيان ما يدل فيه على البطلان والمعروف الذي نص عليه ابو حامد في بعض كتبه انه اقام في الشام سنتين نعم ذكروا انه اقام بعد رجوعه في العزلة والخلوات وترك الاشتغال والمخالطات قريباً من عثسرسنين‏.‏قال الشيخ عبد الغفار‏:‏ واخذ في التصانيف المشهورة التي لم يسبق اليها مثل احياء علوم الدين والكتب المختصرة مثل الاربعين وغيرها من الرسائل التي من تاملها علم محل الرجل من فنون العلم واخذ في مجاهدة النفس وتغيير الاخلاق وتحسين الشمائل فانقلب شيطان الرعونة وكلب الرئاسة والجاه والتخلق بالاخلاق الذميمة الى سكون النفس وكرم الاخلاق والفراغ عن الرسوم والتزينات والتزيي بزي الصالحين وقصر الامل ووقف الاوقات او قال‏:‏ الاوقاف على هداية الخلق ودعائهم الى ما يعنيهم في امر الاخرة وتبغيض الدنيا والاشتغال بها على السالكين والاستعداد للرحيل للدار الاخرة الباقية والانقياد لكل من يتوسم فيه او يشم منه رائحة المعرفة او يلحظ بشيء من انوار المشاهدة حتى مرن على ذلك ولان ثم عاد الى وطنه ملازماً بيته مشتغلاً بالتفكر ملازماً للوقت مقصوداً تقياً وذخراً للقلوب ولكل من يقصده ويدخل عليه الى ان اتى على ذلك مدة وظهرت التصانيف وفشت الكتب ولم تبد في ايامه مناقضة لما كان عليه ولا اعتراض لاحد على ما اثره حتى انتهت نوبة الوزارة الى الاجل فخر الملك جمال الشهداء تغمده الله بغفرانه - وتزينت خراسان بحشمته ودولته وقد سمع وتحقق بمكانة الغزالي ودرجته وكمال فضله وجلالته وصفاء عقيدته ومعاشرته وقفاء سيرته فتبرك به وحضره وسمع كلامه فاستدعى منه ان لا يبقي انفاسه وفوائده عقيمة لا استفادة منها ولا اقتباس من انوارها والح عليه كل الالحاح وشدد في الاقتراح الى ان اجاب الى الخروج وخرج الى نيسابور وكان الليث غائباً عن عرينه والامر خافياً في مستور قضاء الله ومكنونه فاشير اليه بالتدريس في المدرسة الميمونة النظامية وغيرها فلم يجد بداً من الاذعان للولاة ونوى باظهار ما اشتغل به هداية السراة وافادة القاصدين لا الرجوع الى ما انخلع عنه وتحرز عن رقه من طلب الجاه ومماراة الاقران ومكاثرة المعاندين وكم فرع عصا الخلاف فيه والوقوع فيه والطعن فيما يذره وياتيه والسماية به والتشنيع عليه فما تاثر به ولا اشتغل بجواب الطاعنين ولا اظهر استيحاشاً لغمرة المخالفين قال‏:‏ ولقد زرته مراراً وما كنت احدث في نفسي مما عهدته في سالف الزمان عليه من الدعارة او قال‏:‏ من الزعارة وايحاش الناس والنظر اليهم بعين الازدراء والاستحقار لهم كبراً وخيلاء واغتراراً بما رزق من البسطة في النطق والخاطر والعبارة وطلب الجاه والعلو في المنزلة وكنت اظن انه متلفح بجلباب التكلف والتيمن بما صار اليه فتحققت بعد التروي والتنقير ان الامر على خلاف المظنون وان الرجل افاق بعد الجنون‏.‏

وحكي لنا في ليل كيفية احواله من ابتداء ما ظهر له سلوك طريق التاله وغلبت الحال عليه بعد تبحره في العلوم واستطالته على الكل بكلامه والاستعداد بالذي خصه الله تعالى به في تحصيل العلوم وتمكنه من البحث والنظر حتى تنزه عن الاشتغال بالعلوم العربية عن المقالة وتفكر في العاقبة وما يجدي وينفع في الاخرة فابتدا بصحبة الفارمذ واخذ مفتاح الطريقة وامتثل ما كان يشير به عليه من القيام بوظائف العبادات والامعان في النوافل واستدامة الاذكار والجد والاجتهاد طلباً للنجاة الى ان جاز تلك العقابات وتكلف تلك المشاق وما يحصل على ما كان يطلبه من مقصوده ثم حكى انه راجع العلوم وخاض في الفنون وعاود الجد والاجتهاد في كتب العلم الدقيقة واقتفى باربابها حتى انفتح له ابوابها وبقي مدة في الوقائع وتكافؤ الادلة واطراف المسائل ثم حكى انه فتح عليه من باب الخوف باب بحيث شغله عن كل شيء وحمله على الاعراض عما سواه تعالى حتى سهل ذلك وهكذا الى ان ارتاض كل الرياضة وظهرت له الحقائق وصار ما كنا نظن به ناموساً وكلف طبعاً وتحققاً وان ذلك اثر السعادة المقدرة له من الله تعالى ثم سالناه عن كيفتة الرغبة في الخروج عن بيته والرجوع الى ما دعي اليه من امر نيسابور فقال معتذراً عنه‏:‏ ما كنت اجوز في ديني ان اقف عن الدعوة ومنفعة الطالبين بالافادة وقد حق علي ان ابوح بالحق وانطق به وادعو اليه وكان صادقاً في ذلك ثم ترك ذلك قبل ان يترك وعاد الى بيته واتخذ في جواره مدرسة لطلبة العلم وخانقاهاً للصوفية وكان قد وزع اوقاته على وظائف الحاضرين من ختم القران ومجالسة اهل القلوب والقعود للتدريس بحيث لا تخلو لحظة من لحظاته ولحظات من معه عن فائدة الى ان اصابه عين الزمان ومن الايام به على اهل عصره فنقله الله تعالى الى كريم جواره من بعد مقاسات انواع من التقصد والمناواة من الخصوم والسعي به الى الملوك وكفاية الله تعالى وحفظه وصيانته عن ان تنوشه ايدي النكبات او ينتهك ستر دينه بشيء من الزلات‏.‏

وكانت خاتمة امره اقباله على حديث المصطفى - صلى الله عليه واله وسلم - ومجالسة اهله ومطالعة الصحيحين‏:‏ البخاري والمسلم اللذين هما حجة الاسلام ولو عاش لسبق الكل في ذلك الفن في يسير من الايام يستفزعه في تحصيله ولا شك انه سمع الاحاديث في الايام الماضية واشتغل في اخر عمره بسماعها ولم تتفق له الرواية وما خلف من الكتب المصنفة في الاصول والفروع وسائر الانواع يخلد ذكره ويقرر عند المطالعين المنصفين المستفيدين منها انه لم يخلق مثله بعده ومضي الى رحمة الله تعالى يوم الاثنين الرابع عشر من جمادى الاخرة سنة خمس وخمسمائة خصه الله تعالى بانواع الكرامة في اخرته كما خصه بفنون العلم بدنياه بمنة ورحمته‏.‏

وقلت الى شيء من ذكر ارتفاع مناقبه وبحر علوم كتبه - اشرت - والانتفاع في بعض القصيدات بقولي في هذه الابيات‏:‏ واحيا علوم الدين طالعه ينتفع ببحر علوم المستنير المحصل ابي حامد الغزال غزل مدقق من الغزل لم يغزل كذاك بمغزل دعي حجة الاسلام لا شك انه لذلك كفؤ كامل للتاهل له في منامي قلت‏:‏ انك حجة لاسلامنا لي قال‏:‏ ما شئت لي قل وقلت في اخرى‏:‏ بناكم وجير من بناء قواعد وجمع معان واختصار مطول وكم من بسيط في جلاء نفائس وايضاح ايجاز وحل لمشكل بكف همام ذب عن منهج الهدى بحرب نصال لا يرى غير اول كمثل الفتى الحبر المباهي بفضله فعنى بغزال العلى وتغزل به المصطفى باهي لعيسى ابن مريم جيليل العطايا والكليم المفضل اعندكما حبر كهذا فقيل‏:‏ لا وناهيك في هذا الفخار المؤثل راه الولي الشاذلي في منامه وترويه عنه من طريق مسلسل تصانيفه فاقت بنفع وكثرة وحلة حسن كم بها لعزيز قل وكم حجة الاسلام حاز فضيلة وكم حلة حسناتها فضله جلي بها جاهل مع حاسد طاعن فذا تعامى وعنها ذاك اعمى قد ابتلي وما ضر سلمى ذم عالي جمالها ومنظرها الباهي ومنطقها الحلي لئن ذمها جاراتها ونضائر وعين جمالاً في حلاها وفي الحلي فما سلمت حسناء عن ذم حاسد وصاحب حق من عداوة مبطل ولم يعقب الا البنات وكان يعرض عليه الاموال فما يقبلها ويعرض عنها ويكتفي بالقدر الذي الصوفي الشافعي بدمشق قال‏:‏ سمعت الشيخ الامام الاوحد زين القراء جمال الحرم ابا الفتح عامر بن بحام بن ابي عامر الساوي بمكة - رحمه الله تعالى - يقول‏:‏ دخلت المسجد الحرام يوم الاحد فيما بين صلاة الظهر والعصر الرابع عشر عن شوال سنة خمس واربعين وخمسمائة - وذكر شيئاً ظهر عليه من الوجد واحوال الفقراء - قال‏:‏ فكنت لا اقدر ان اقف ولا اجلس لشدة ما بي فكنت اطلب موضعاً استريح فيه ساعة على جنبي فرايت باب بيت الجماعة للرباط الراسي عند باب المروة مفتوحاً قلت‏:‏ يعني في جهة الباب المسمى في الحديث الحزور قال‏:‏ فقصدته ودخلت فيه وقعت على جنبي الايمن بحذاء الكعبة المشرفة مفترشاً يدي تحت خدي لكيلا ياخذني النوم فينقض طهارتي فاذا برجل من اهل البدعة معروف بها جاء ونشر مصلاه على باب ذلك البيت واخرج لوحاً من جيبه اظنه كان من الحجر وعليه كتابة فقبله ووضعهه بين يديه وصلى صلاة طويلة مرسلاً يديه فيها على عادتهم وكان يسجد على ذلك اللوح في كل مرة فاذا فرغ من صلاته سجد عليه واطال فيه وكان يمعك خده من الجانبين عليه ويتضرع في الدعاء ثم رفع راسه وقبله ووضعه على عينيه ثم قبله ثانياًوادخله في جيبه كما كان‏.‏

فلما رايت ذلك كرهته واستوحشت منه وقلت في نفسي ليت رسول الله - صلى الله عليه واله وسلم - كان حياً فيما بيننا ليخبرهم بسوء صنيعهم وما هم عليه من البدعة ومع هذا التفكر كنت اطرد النوم عن نفسي كيلا ياخذني فيفسد طهارتي فبينا انا كذلك اذ طرا علي النعاس وغلبني فكنت بين اليقظة والمنام فرايت عرصة واسعة فيها ناس كثيرون واقفون وفي يد كل واحد منهم كتاب مجلد قد تحلقوا كلهم على شخص فسالت الناس عن حالهم وعمن في الحلقة فقالوا‏:‏ هذا رسول الله - صلى الله عليه واله وسلم - وهؤلا اصحاب المذهب يريدون ان يقرؤوا مذاهبهم واعتقادهم من كتبهم على رسول الله - صلى الله عليه واله وسلم - يصححوها عليه قال‏:‏ فبينا انا كذلك انظر الى القوم اذ جاء واحد من اهل الحلقة - وبيده كتاب - قيل ان هذا هو الشافعي - رضي الله تعالى عنه - فدخل وسط الحلقة وسلم على رسول الله - صلى الله عليه واله وسلم - فرايت رسول الله - صلى الله على واله وسلم - في جماله وكماله لابساً الثياب البيض النظيفة من العمامة والقميص وسائر الثياب على زي اهل الصوف فرد عليه الجواب ورحب به وقعد الشافعي بين يديه وقرا من الكتاب مذهبه واعتقاده وجاء بعد ذلك شخص اخر قيل هو الامام الاعظم ابو حنيفة الكوفي - رضي الله تعالى عنه - وبيده كتاب فسلم وقعد يمين الشافعي وقرا من الكتاب مذهبه واعتقاده ثم اتى بعده كل صاحب مذهب الى ان لم يبق الا القليل وكل من يقرا يقعد بجنب الاخر‏.‏

فلما فرغوا اذا واحد من المبتدعة الملقبة بالرافضة - لعنهم الله - قد جاء وبيده كراريس غير مجلدة وفيها ذكر عقائدهم الباطلة وهم ان يدخل الحلقة ويقراها على رسول الله - صلى الله عليه واله وسلم - فخرج واحد ممن كان مع رسول الله - صلى الله عليه واله وسلم - وزجره واخذ الكراريس من يده ورمى بها الى خارج الحلقة وطرده واهانه‏.‏

قال‏:‏ فلما رايت ان القوم قد فرغوا وما بقي احد يقرا عليه شيئاً تقدمت قليلاً - وكان في يدي كتاب مجلد - فناديت وقلت‏:‏ يا رسول الله صلى الله عليه واله وسلم هذا الكتاب معتقدي ومعتقد اهل السنة لو اذنت لي حتى اقراه عليك فقال - عليه السلام -‏:‏ وايش ذلك قلت‏:‏ يا رسول الله هو قواعد العقائد الذي صنفه الغزالي فاذن لي في القراءة فقعدت وابتدات‏:‏ بسم الله الرحمن الرحيم كتاب قواعد العقائد وفيه اربعة فصول‏:‏ الفصل الاول‏:‏ عقيدة اهل السنة في كلمتي الشهادة التي هي احد مباني الاسلام‏.‏

وذكر انه قرا العقيدة المذكورة الى ان انتهى الى قول الامام ابي حامد‏:‏ معنى الكلمة الثانية‏:‏ وهي شهادة الرسول وانه - تعالى - بعث النبي الامي القرشي محمد - صلى الله عليه واله وسلم - الى كافة العرب والعجم والجن والانس قالى‏:‏ فلما بلغت الى هذا رايت البشاشة والتبسم في وجه رسول الله - صلى الله عليه واله وسلم - حتى اذا انتهيت الى نعته وصفته التفت الي وقال‏:‏ اين - الغزالي فاذا بالغزالي كانه كان واقفاً على الحلقة بين يديه فقال‏:‏ ها انا ذا يا رسول الله وتقدم وسلم على رسول الله - صلى الله عليه واله وسلم - فرد عليه الجواب وناوله يده العزيزة والغزالي يقبل يده المباركة ويضع خديه عليها تبركاً وبيده العزيزة المباركة ثم قعد وقال‏:‏ فما رايت رسول الله - صلى الله عليه واله وسلم - اكثر استبشاراً بقراءة احد مثلما كان بقراءتي عليه قواعد العقائد‏.‏

ثم انتبهت من النوم وعلى عيني اثر الدمع مما رايت من تلك الاحوال والكرامات - فانها كانت نعمة جسيمة من الله تعالى - سيما في اخر الزمان مع كثرة الاهواء - فنسال الله تعالى ان يثبتنا على عقيدة اهل الحق ويحيينا عليها ويميتنا عليها ويحشرنا معهم ومع الانبياء والمرسلين والصديقين والشهداء والصالحين وحسن اولئك رفيقاً فانه بالفضل جدير وعلى ما يشاء قدير والغزالي - بفتح الغين المعجمة وتشديد الزاي وبعد الالف لام‏.‏

قال ابن خلكان‏:‏ هذه النسبة الى الغزال على عادة اهل خوارزم وجرجان فانهم ينسبون الى القصار القصاري الى العطار والعطاري وقيل ان الزاي مخففة نسبة الى غزالة وهي قرية من قرى طوس قال‏:‏ وهو خلاف المشهور ولكن هكذا قال السمعاني في كتاب الانساب والله اعلم بالصواب‏.‏

قلت وفضائل الامام حجة الاسلام ابي حامد الغزالي - رضي الله تعالى عنه - اكثر من ان تحصر واشهر من ان تشهر‏.‏

وقد روينا عن الشيخ الفقيه الامام العارف بالله رفيع المقام الذي اشتهرت كرامته العظيمة وترادفت وقال للشمس يوماً قفي فوقفت حتى بلغ المنزل الذي يريد من مكان بعيد‏.‏

عن ابي الذبيح اسماعيل ابن الشيخ الفقيه الامام ذي المناقب والكرامات والمعارف‏:‏ محمد بن اسماعيل الحضرمي - قدس الله ارواح الجميع - انه ساله بعض الطاعنين في الامام ابي حامد المذكور - رضي الله تعالى عنه - في فتيا ارسل بها اليه‏:‏ هل يجوز قراءة كتب الغزالي فقال رضي الله عنه في الجواب‏:‏ انا لله وانا اليه راجعون محمد بن عبدالله - صلى الله عليه واله وسلم - سيد الانبياء ومحمد بن ادريس سيد الائمة ومحمد بن محمد بن محمد الغزالي سيد المصنفين هذا جوابه رحمة الله عليه‏.‏

وقد ذكرت في كتاب الارشاد انه سماه سيد المصنفين لانه تميز عن المصنفين بكثرة المصنفات البديعات وغاص في بحر العلوم واستخرج عنها الجواهر النفيسات وسحر العقول يحسن العبارة وملاحة الامثلة وبداعة الترتيب والتقسيمات والبراعة في الصناعة العجيبة مع جزالة الالفاظ وبلاغة المعاني الغريبات والجمع بين علوم الشريعة والحقيقة والفروع والاصول والمعقول والمنقول والتدقيق والتحقيق والعلم والعمل وبيان معالم العبادات والعادات والمهلكات والمنجيات وابراز محاسن اسرار المعارف المحجبات العاليات والانتفاع بكلامه علماً وعملاً لا سيما ارباب الديانات - والدعاء الى الله سبحانه برفض الدنيا والخلق ومحاربة الشيطان والنفس بالمجاهدة والرياضيات وافحام الفرق ايسر عنلى من شرب الماء‏:‏ بالبراهين القاطعة وتوبيخ علماء السوء الراكنين الى الظلمة والمائلين الى الدنيا الدنية اولي الهمم الدنيات وغير ذلك مما لا يحصى مما جمع في تصانيفه من المحاسن الجميلات والفضائل الجليلات مما لم يجمعه مصنف - فيما علمنا - ولا يجمعه فيما نظن ما دامت الارض والسماوات فهو سيد المصنفين عند المنصفين وحجة الاسلام عند اهل الاستسلام لقبول الحق من المحققين في جميع الاقطار والجهات وليس يعني ان تصانيفه اصح فصحيحا البخاري ومسلم اصح الكتب المصنفات‏.‏

وقد صنف الشيخ الفقيه الامام المحدث شيخ الاسلام عمدة المسندين ومفتي المسلمين جامع الفضائل قطب الدين‏:‏ محمد ابن الشيخ الامام العارف ابي العباس القسطلاني - رضي الله تعالى عنهما - كتاباً انكر فيه على بعض الناس واثنى على الامام ابي حامد الغزالي ثناء حسناً وذم انساناً ذمة قال في اثناء كلامه‏:‏ ومن نظر في كتب الغزالي وكثرة مصنفاته وتحقيق مقالاته عرف مقداره واستحسن اثاره واستصغر ما عظم من سواه وعظم قدره فيما امده الله به من قوله ولا مبالاة بحاسد قد تعاطى ذمة او معانداً بعده الله عن ادراك معاني بهمة فهو كما قيل‏:‏ قل لمن عن فضائله تعامنى تعام لن تعدم الحسناء ذاما هذا بعض كلامه بحروفه وقال بعض العلماء المالكية والمشايخ العارفين الصوفية الناس من فضلة علوم الغزالي معناه‏:‏ انهم يستمدون من علومه ومدده ويستعينون بها على ما هم بصدده زاده الله تعالى فضلاً ومجداً على رغم الحساد والعدى‏.‏

قلت وقد اقتصرت على هذا القدر اليسير من محاسنه وفضله الشهير محتوياً بذكر شيء مما له من الفضل الباهر والجاه والنصيب الوافرة وشرف المجد والمفاخر مما روينا بالاسانيد العالية عن السادة الاكابر اعني‏:‏ امر الرسول صلى الله عليه واله وسلم بتعزير من انكر عليه ونعم الامر - حتى ان المنكر ما مات الا واثر السوط على جسمه ظاهر بنصر الله عز وجل - ونعم الناصر‏.‏

وفي السنة المذكورة توفي ابو الهيجاء مقاتل بن عطية بن مقاتل البكري الحجازي الملقب بشبل الدولة كان من اولاد امراء العرب فوقعت بينه وبين اخوته وحشة اوجبت رحلته عنهم ففارقهم ووصل الى بغداد ثم خرج الى خراسان واختص بالوزير نظام الملك وصاهره ولما قتل نظام الملك رثاه ببيتين تقدم ذكرهما في ترجمته ثم عاد الى بغداد واقام بها مدة وعزم على قصد كرمان مسترفداً وزيرها مكرم بن العلاء وكان من الاجواد فكتب الى المستظهر بالله قصته يلتمس منه الانعام عليه بكتاب الى الوزير المذكور يتضمن الاحسان اليه فوقع المستظهر على راس قصته‏:‏ يا ابا الهيجاء ابعدت النجع اسرع الله بك الرجعة وفي ابن العلاء مقنع فطريقته في الخير مهي وما يسر به اليك فيحلي ثمره سكره ويستعذب مياه بره والسلام‏.‏

فاكتفى او الهيجاء بهذه الاسطر واستغنى عن الكتاب وتوجه الى كرمان فلما وصلها قصد حضرة الوزير واستاذن في الدخول فاذن له فدخل عليه وعرض عليه رايه القصة فلما راها قام وخرج عن دسته اجلالاً وتعظيماً لكاتبها واوصل لابي الهيجاء الف دينار في ساعته ثم عاد الى دسته فعرفه ابو الهيجاء ان معه قصيدة يمدحه بها فاستنشده اياها فانشده‏:‏ دعي العيس تذرع عرض الفلا الى ابن العلاء والا فلا فلما سمع الوزير هذا البيت اطلق له الف دينار اخر ولما كمل انشاد القصيدة اطلق له الف دينار اخر وخلع عليه وقاد اليه جواداً يركبه وقال له‏:‏ دعاء امير المؤمنين مسموع ومرفوع وقد دعا لك بسرعة الرجوع وجهز بجميع ما يحتاج اليه ورجع الى بغداد وكان من جملة الادباء الظرفاء وله النظم الفائق الرائق وبينه بين العلامة ابي القاسم الزمخشري مكاتبات واشعار يمدح كل منهما الاخر‏.‏

 سنة ست وخمس مائة

فيها وقيل في التي تليها‏:‏ توفي ابو غالب احمد بن محمد الهمداني العدل وابو القاسم اسماعيل بن الحسين القريض والفضل بن محمد القشيري النيسابوري الصوفي وابو سعد المعمر بن علي البغدادي الحنبلي الواعظ المفتي كان يبكي الحاضرين ويضحكهم وله قبول زائد وسرعة سنة سبع وخمس مائة في المحرم منها التقى عسكر دمشق والجزيرة وعسكر الفرنج بارض طبرية وكانت وقعة مشهورة قتلهم المسلمون فيها قتلاً ذريعاً واسروهم وممن اسر ملكهم ابن صاحب القدس لكن لم يعرف فبذل شيئاً للذي اسره فاطلقه ثم انجدهم عسكر انطاكية وطرابلس ورد المنهزمون فثبت لهم المسلمون وانحاز اعداء الله الى جبل ورابط الناس بازائهم يرمونهم واقاموا كذلك سبعة وعشرين يوماً ثم سار المسلمون فنهبوا بلاد الفرنج وضياعهم ما بين القدس الى عكا وردت عساكر الموصل وتخلف مقدمهم مودود بدمشق وامر العساكر بالقدوم في الربيع فوثب على مودود باطني يوم جمعة فقتله وقتل الباطني‏.‏

وفيها توفي ابو بكر الحلواني احمد بن علي بن بدران وكان ثقة متعبداً زاهداً روى عن القاضي ابي الطيب الطبري وطائفة‏.‏

وفيها توفي رضوان صاحب حلب ابن تاج الدولة السلجوقي ومنه اخذت الفرنج انطاكية وملكوا بعده ابنه الب ارسلان الاخرس‏.‏

وفيها توفي ابو غالب شجاع بن فارس الذهلي السهروردي ثم البغدادي الحافظ نسخ ما لا ينحصر من التفسير والحديث والفقه لنفسه وللناس حتى انه كتب شعر ابن الحجاج سبع مرات‏.‏

وفيها توفي الشاشي المعروف بالمستظهري‏:‏ فخر الاسلام ابو بكر محمد بن احمد بن الحسين شيخ الشافعية كان فقيه وقته تفقه اولاً على ابي عبدالله محمد بن بيان الكازروني وعلى القاضي ابي منصور الطوسي صاحب ابي محمد الجويني‏.‏

ثم رحل الى بغداد ولازم الشيخ ابا اسحاق الشيرازي رحمه الله وقرا عليه واعاد عنده وقرا كتاب الشامل في الفقه على ابي نصر بن الصباغ ودخل نيسابور صحبة الشيخ ابي اسحاق وتكلم في مسالة بين يدي امام الحرمين فاحسن فيها وعاد الى بغداد‏.‏

وذكر الحافظ عبد الغافر الفارسي في تاريخ نيسابور‏:‏ وتعين في الفقه بعد استاذه ابي اسحاق وانتهت اليه رئاسة الطائمة الشافعية وصنف تصانيف حسنة منها‏:‏ كتاب حلية العلماء في المذهب ذكر فيه مذهب الشافعي ثم ضم الى كل مسالة اختلاف الائمة فيها وجمع من ذلك شيئاً كثيراً وسماه‏:‏ المستظهري وصنف ايضاً في الخلاف وتولى التدريس بالمدرسة النظامية بمدينة بغداد وكان قد وليها قبله الشيخ ابو اسحاق وابو نصر بن الصباغ صحب الشامل وابو سعد المتولي صاحب تتمة الابانة وابو حامد الغزالي والكيا الهراسي وقد سبق ذكر ذلك في ترجمه كل واحد منهم فلما انقرضوا تولاها هو‏.‏وحكى بعض المشايخ من علماء المذهب انه يوماً ذكر المدرسين فوضع منديله على عينيه وبكى كثيراً - وهو جالس على السدة التي جرت عادة المدرسين بالجلوس عليها وكان ينشد‏:‏ وجعل يردد هذا البيت ويبكي قيل‏:‏ هذا انصاف منه واعتراف لمن تقدمه بالفضل والرجحان عليه‏.‏

قلت وقد يقع مثل هذا البكاء ممزوجاً بفرح بما صار اليه وقد فرق العلماء بين بكاء الحزن والفرح بان دمعة ذلك حارة ودمعة هذا باردة ذكروا ذلك عند بكاء البكر وقت استئذانها في نكاحها‏.‏

والبيت المذكور من جملة ابيات في الحماسة‏.‏

وفي السنة المذكورة توفي الحافظ ذو الرحلة الواسعة والتصانيف‏:‏ محمد بن طاهر المقدسي المعروف بابن القيسراني كان احد الرحالين في طلب الحديث سمع بالحجاز والشام ومصر والثغور والجزيرة والعراق والجبال وفارس وخوزستان وخراسان واستوطن همذان‏.‏وكان من المشهورين بالحفظ والمعرفة لعلوم الحديث وله في ذلك مصنفات ومجموعات تدل على غزارة علمه وجودة معرفته منها اطراف الكتب الستة‏:‏ وهي صحيحا البخارى ومسلم وسنن ابي داود والترمذي والنسائي وسنن ابن ماجة سادسها عند بضهم والموطا عند بعض‏.‏

واطراف الغرائب‏:‏ تصنيف الدارقطني وكتاب الانساب في جزء لطيف وهو الذي ذيله الحافظ ابو موسى الاصبهاني وغير ذلك من الكتب وله شعر حسن كتب عنه غير واحد من الحفاظ ثم رجع الى بيت المقدس فاحرم من ثم الى مكة وتوفي عند قدومه من الحج اخر حجاته يوم الجمعة لليلتين بقيتا من شهر ربيع الاول من السنة المذكورة رحمه الله تعالى‏.‏والقيسراني بفتح القاف والسين المهملتين بينهما مثناة من تحت ثم راء مفتوحة وبعد الالف نون نسبة الى قيسارية‏:‏ بليدة بالشام على ساحل البحر سمع بالقدس وبغداد ونيسابور وهراة واصفهان وشيراز والري ودمشق ومصر‏.‏

قال الحافظ اسماعيل بن محمد بن الفضل‏:‏ احفظ من رايت‏:‏ محمد بن طاهر‏.‏

وقال السلفي‏:‏ سمعت ابن طاهر يقول‏:‏ كتبت البخاري ومسلماً وسنن ابي داود وابن ماجة سبع مرات‏.‏

وفيها توفي ابو المظفر محمد بن ابي العباس الاموي المعاوي اللغوي الشاعر الاخباري النسابه صاحب التصانيف والفصاحة والبلاغة وكان رئيساً عالي الهمة ذا سلف توفي باصبهان مسموماً ومن شعره قوله‏:‏ ملكنا اقاليم البلاد فاذعنت لنا رهبة او رغبة عظماؤها فلما انتهت ايامنا علقت بنا شدائد ايام قليل رجاؤها وكان الينا في السرور ابتسامها فصار علينا في الهموم بكاؤها وصرنا نلاقي النائبات باوجه رقاق الحواشي كاد يقطر ماؤها اذا ما هممنا ان نبوح بما جنت علينا الليالي لم يدعنا جناؤها وله تصانيف كثيرة منها‏:‏ المؤتلف والمختلف وطبقات كل فن وما اختلف وائتلف في انساب العرب وله في اللغة مصنفات لم يبسق الى مثلها وكان حسن السيرة جميل الامر‏.‏

وفيها توفي ابن اللبانة محمد بن عيسى اللغوي الاندلسي الاديب ومن جملة الادباء وفحول الشعراء له تصانيف عديدة في الاداب وكان من شعراء دولة المعتمد بن عباد‏.‏

وفيها توفي المؤتمن بن احمد ابو نصر الربعي الحافظ ويعرف بالساجي حافظ محقق واسع الرحلة كثير الكتابة متين الورع والديانة وكتب الشامل عن مؤلفه ابن الصباغ‏.‏

 سنة ثمان وخمس مائة

فيها هلك صاحب القدس من جراحة اصابته يوم مصاف طبرية المذكور فيما مضى‏.‏وفيها مات احمد بك صاحب مراغة وكان شجاعاً جواداً عسكره خمسة الاف فنكثت به الباطنية‏.‏

وفيها توفي احمد بن غلبون ابو عبدالله الخولاني ثم القرطبي ثم الاشبيلي وكان صالحاً خيراً عالي الاسناد منفرداً‏.‏

والب ارسلان صاحب حلب وابن صاحبها رضوان السلجوقي وكان سيىء السيرة فاسقاً فقتله البابا فاقام اخاه مقامه وكان طفلاً له ست سنين ثم قتل البابا سنة عشرة‏.‏

وفيها توفي ابو الوحش سبيع بن مسلم الدمشقي المقرىء الضرير وكان يقرىء من السحر الى الظهر‏.‏وفيها توفي ابو القاسم علي بن ابراهيم بن العباس الحسني - الدمشقي الخطيب الرئيس المحدث صاحب الاجزاء العشرين التي اخرجها له الخطيب وكان ثقة نبيلاً محتشماً مهيباً سيداً شريفاً صاحب حديث وسنة‏.‏

وفيها توفي السلطان مسعود صاحب الهند وغزنة وتملك بعد موته ولده ارسلان شاه وهو ابن عمه السلطان ملك شاه‏.‏

 سنة تسع وخمس مائة

فيها قدم عسكر السلطان محمد الشام فاستعان بالفرنج فاعانوه فاخذ كفرطاب وهي للفرنج وسار الى المعرة وساق صاحب انطاكية وكبس العسكر وكسرهم ورجع من سلم منهم منهزمين واستنصرت الفرنج على المسلمين‏.‏

وفيها توفي ابن ملة اسماعيل بن محمد الواعظ الاصبهاني المحدث صاحب المجالس‏.‏

وفيها توفي ابو شجاع الديلمي الهمداني الحافظ صاحب كتاب الفردوس وتاريخ همدان‏.‏توفي ابو الفرج غيث بن علي الصوري خطيب صور ومحدثها‏.‏

والشريف ابو يعلى محمد بن محمد بن صالح الهاشمي الشاعر المشهور‏.‏

وابو البركات السفطي هبة الله بن المبارك البغدادي‏.‏

ويحيى بن تميم بن المعز السلطان ابو طاهر الحميري صاحب افريقية نشر العدل وافتتح عدة قلاع لم يتهيا لابيه فتحها وكان جواداً ممدوحاً عالماً كثير المطالعة للاخبار والسير عارفاً بها رحيماً للضعفاء شفوقاً على الفقراء يطعمهم في الشدائد ويرفق بهم ويقرب اهل العلم والفضل من نفسه وكان عارفاً في صناعة النجوم حسن الوجه على حاجبه شامة اشهل العينين‏.‏

ولما كان يوم الاربعاء وهو عيد الاضحى من السنة المذكورة توفي فجاة وذلك ان منجمه قال له‏:‏ السير في موكبك في هذا النهار عليك نحس لا تركب فامتنع من الركوب وخرج اولاده ورجال دولته الى المصلى فلما انقضت الصلاة حضر رجال الدولة على ما جرت به العادة للسلام وقرىء القران وانشد الشعراء وانصرفوا الى الايوان فاكل الناس وقام يحيى الى مجلس الطعام فلما وصل الى باب المجلس اشار الى جارية من حظاياه فاتكا عليها فما خطا من باب البيت سوى ثلاث خطوات حتى وقع ميتاً‏.‏وخلف ثلاثين ابناً فتملك بعده ابنه علي ستة اعوام ومات فملكوا بعده الحسن بن علي وهو مراهق فامتدت دولته الى ان اخذت الفرنج طرابلس الغرب بالسيف سنة احدى واربعين وخمسمائة فخاف وفز من المهدية‏.‏

والتجا الى عبد المؤمن‏.‏قلت‏:‏ وهذا العلم وما ندب فيه من الحذر لا يغني عن وقوع ما سبق في علم الله تعالى من القدر‏.‏

ومن ذلك ما حكي ان بعض الملوك قال له بعض المنجمين‏:‏ انت تموت في الساعة الفلانية من اليوم الفلاني من الشهر الفلاني من السنة الفلانية من عقرب تلدغك فلما كان قبل الساعه المذكورة تجرد من جميع لباسه سوى ما يستر العورة وركب فرساً بعد ان غسله ونظفه ونفض شعره ودخل بفرسه في البحر حذراً مما ذكر له من وقوع هذا الامر فبينما هو كذلك فاجاءه ما يخشى من المهالك وذلك ان فرسه عطست فخرجت من انفها عقرب فلدغته ولم يغنه ما رام من الاحتراز والهرب نسال الله الكريم كمال الايمان بنفاذ قدره والتسليم في كل ما جاء به الشارع وروى في خبره‏.‏

 سنة عشرة وخمس مائة

فيها توفي ابو الكرم خميس بن علي الواسطي الجوزي الحافظ وكان عالماً حافظاً شاعراً‏.‏

وفيها توفي عبد الغفار بن محمد بن حسين النيسابوري مسند خراسان‏.‏وفيها توفي الصيرفي صاحب الاصم قال السمعاني‏:‏ كان صالحاً عابداً رحل اليه من البلاد‏.‏

وفيها توفي العسال ابو الخير المبارك بن الحسين البغدادي المصري الاديب شيخ الاقراء ببغداد‏.‏

وفيها توفي الخطاب محفوظ بن احمد الارحبي شيخ الحنابلة صاحب التصانيف‏.‏

وفيها توفي ابو طاهر محمد بن الحسين الدمشقي‏.‏

وفيها توفي ابو الغنائم محمد بن علي بن ميمون الكوفي الحافظ‏.‏

وفيها توفي الحافظ ابو بكر محمد ابن الحافظ العلامة ابي المظفر منصور بن محمد التميمي المروزي والد الحافظ ابي سعد كان محمد المذكور اماماً فاضلاً محدثاً فقيهاً شافعياً وله الاملاء الذى لم يسبق الى مثله تكلم على المتون والاسانيد وابان مشكلاته وله عدة تصانيف وشعر غسله قبل موته‏.‏

 سنة احدى عشرة وخمس مائة

فيها غرقت سنجار وانهدم سورها وهلك خلق كثير وجر السيل باب المدينة مسير مرحلة فطمه السيل ثم انكشف بعد سنين وسلم طفل في سرير تعلق بزيتونة ثم عاش وكبر‏.‏

قلت ومن هذا النمط المذكور والعجائب الواقعة في الدهور ما سمعت انه جاء السيل في جوف الليل فحمل قرية - واهلها نائمون - ورمى بهم في البحر وفيهم صبية عروس طفت على ظاهر الماء كانها محمولة على سرير ولم يتغبر كل ما عليها من الطيب والصنعة والحرير بقدرة اللطيف الخبير الذي هو على كل شيء قدير فوجدت حية قذفها البحر على الساحل وما مشى من المحذور اليها واصل‏.‏

وفيها توفي السلطان محمد بن ملك شاه بن الب ارسلان التركي‏:‏ غياث الدين ابو شسجاع وكان فارساً شجاعاً فحلاً ذا بر ومعروف وخلف له اربعة اولاد‏:‏ محمود ومسعود وسليمان وطغرل بك وقام بعده ابنه محمود وهو ابن اربع عشرة سنة ففرق الاموال وقد خلف محمد احد عشر الف الف دينار سوى ما يناسبها من الحواصل‏.‏

وكان السلطان محمد المذكور لما مات ابوه وقد دخل بغداد هو واخوه سنجر فخلع عليهما الامام المستظهر بالله فالتمس محمد المذكور من امير المؤمنين ان يجلس له ولاخيه فاجيب الى ذلك وجلس لهما في قبة التاج وحضر ارباب المناضب وابناؤهم وجلس امير المؤمنين على سدته ووقف سيف الدولة ابن مزيد صاحب الحلة عن يمين السدة - وعلى كتفه بردة النبي صلى الله عليه واله وسلم - وعلى راسه العمامة وبين يديه القضيب وخلع على محمد الخلع السبع التي جرت عادة السلاطين بها والبس الطوق والتاج والسوارين وعقد له الخليفة اللواء بيده وقلده سيفين واعطاه خمسة افراس براكبها وخلع على اخيه سنجر خلعة امثاله وخطب لمحمد بالسلطنة في جامع بغداد - كما جرى عادتهم في ذلك الزمان - وذلك في خمس وتسعين واربع مائة على ما ذكر بعضهم وذكر غير واحد من المؤرخين انها سنة اثنتين وتسعين واربع مائة‏.‏

وذكر بعضهم ان الامام ابا حامد الغزالي رحمه الله تعالى قال للسلطان محمد ابن ملك شاه‏:‏ اعلم يا سلطان العالم ان بني ادم طائفتان‏:‏ طائفة عقلاء نظروا الى مشاهدة حال الدنيا وتمسكوا ابامل العمر الطويل ولم يتفكروا في النفس الاخير وطائفة عقلاء جعلوا النفس الاخيرة نصب اعينهم لينظروا ماذا يكون مصيرهم وكيف يخرجون من الدنيا ويفارقونها وايمانهم سالم وما الذي ينزل عن الدنيا الى قبورهم وما الذي يتركونه لاعاديهم من بعدهم ويبقى عليهم وباله ونكاله‏.‏

ثم ان السلطان محمداً ابن ملك شاه جرت بينه وبين اخيه بركيا روق حروب يطول ذكرها وكان قد خطب لاخيه من قبله في بغداد فقطعت الخطبة له وخطب لمحمد واستقل بمملكته‏.‏

ولما مات اخوه ولم يبقى له منازع وصفت له الدنيا واقام على ذلك مدة ثم مرض زماناً طويلاً وتوفي في الخميس الرابع والعشرين من ذي الحجة من السنة المذكورة بمدينة اصبهان‏.‏

ولما ايس من نفسه احضر ولده محموداً وقبله وبكى كل واحد منهما وامره ان يخرج ويجلس على تخت السلطنة وينظر في امور الناس‏.‏

فقال لوالده‏:‏ انه يوم غير مبارك يعني من طريق النجوم - فقال‏:‏ صدقت ولكن على ابيك واما عليك فمبارك بالسلطنة فخرج وجلس على التخت بالتاج والسوارين وتزوج الامام المقتفي لامر الله فاطمة بنت السلطان محمد المذكور فدخلت الى دار الخلافة بالزفاف ويقال فيما ذكر لها من المناقب انه كان لها التدبير الصائب‏.‏

وفي السنة المذكورة ترحلت العساكر عن حصار الباطنية بالالموت لما بلغهم موت السلطان محمد‏.‏وفيها توفي ابو طاهر عبد الرحمن بن احمد البغدادي راوي سنن الدارقطني وكان رئيساً وافر الجلالة‏.‏

وفيها توفي الحافظ ابو زكريا يحيى بن عبد الوهاب ابن الحافظ محمد بن اسحاق ابن محمد بن يحيى بن منده العبدي الاصبهاني صاحب التاريخ سمع من البيهقي وطبقته وقال‏:‏ السمعاني جليل القدر وافر الفضل واسع الرواية حافظ كثير التصانيف بعيد من التكلف سمع من خلائق وكتب عنه الشيوخ منهم القطب الذي خضعت لقدمه رقاب الاولياء الاكابر شيخ الشيوخ ابو محمد محيي الدين عبد القادر صاحب المقام العالي المعروف بالجيلاني وجماعة من كبار الشيوخ‏.‏

وذكره الحافظ السمعاني في كتاب الذيل وغيره من كبار المؤرخين وذكروا جلالته في الفضل وكونه من بيت علم بدىء بيحيى وختم بيحيى يريدون في معرفة الحديث والعلم والفضل - وكان يحيى المذكور كثيراً ما ينشد لبعضهم‏.‏

عجبت لمبتاع الضلالة بالهدى وللمشتري دنياه بالدين اعجب واعجب من هذين من باع دينه بدنيا سواه فهو من ذين اخيب وفيها توفي مسند العراق ابو علي بن نبهان الكاتب محمد بن سعيد الكرخي‏.‏

روى عن ابن شاذان وغيره قال ابن ناصر‏:‏ فيه تشيع صحيح بقي قبل موته سنة ملقى على ظهره لا يعقل ولا يفهم وقال غيره‏:‏ عاش مائة سنة كاملة وله شعر وادب‏.‏

 سنة اثنتي عشرة وخمس مائة

في الثالث والعشرين من ربيع الاخر منها توفي الامام المستظهر بالله ابو العباس احمد بن المقتدي بالله العباسي وله اثنتان واربعون سنة وكانت خلافته خمساً وعشرين سنة وكان قوي الكتابة جيد الادب والفضيلة كريم الاخلاق مسارعاً في اعمال البر‏.‏وفيها توفي ابو الفضل بكر نن محمد الانصاري الجابري الفقيه شيخ الحنفية بما وراء النهر وعالم تلك الديار ومن كان يضرب به المثل في مذهب الامام الاعظم ابي حنيفة رضي الله تعالى عنه المقلب بشمس الائمة‏.‏

وفيها توفي ابو طالب الحسين بن محمد الزينبي المقلب بنور الهدى‏.‏

وفيها توفي ابو القاسم الانصاري العلامة سليمان بن ناصر النيسابوري الشافعي المتكلم تلميذ امام الحرمين صاحب التصانيف كان صوفياً زاهداً من اصحاب الاستاذ ابي القاسم القشيري‏.‏

روى الحديث عن ابي الحسين عبد الغافر الفارسي وجماعة‏.‏

 سنة ثلاث عشرة وخمس مائة

فيها كانت وقعة هائلة بخراسان بين سنجر وبين ابن اخيه محمود بن محمد فانكسر محمود ثم وقع الاتفاق وتزوج بابنة سنجر‏.‏

وتم فيها كانت الفتنة بين صاحب مصر والامير اتابك امير الجيوش الافضل وتمت لهما خطوب ودس الافضل على الامير من يسمه مراراً فلم يمكن ذلك‏.‏

وفيها ظهر قبر ابراهيم الخليل - صلوات الله عليه - واسحاق ويعقوب - عليهم الصلاة والسلام - وراهم جماعة لم تبل اجسامهم وعندهم في تلك المغارة قناديل من ذهب وفضة ذكره ابن حمزة بن القلانسي - بالنون والشين المعجمة - في تاريخه‏.‏

وفيها توفي شيخ الحنابلة وصاحب التصانيف ومؤلف كتاب الفنون الذي يزيد على اربعمائة مجلد علي بن عقيل البغدادي الظفري وكان اماماً مبرزاً كبير العلوم خارق الذكاء مكباً على الاشتغال والتصنيف تفقه على القاضي ابي يعلى وغيره واخذ علم الكلام عن ابي علي بن الوليد وابي القاسم بن التيان وغيره وروى عن ابي محمد الجوهري قال السلفي‏:‏ ما رايت مثله وما يقدر احد ان يتكلم معه لغزارة علمه وبلاغة كلامه وقوة حجته‏.‏

وفيها توفي قاضي القضاة ابو الحسين الدامغاني علي ابن قاضي القضاة ابي عبدالله محمد بن علي الحنفي ولي القضاء اربعاً وعشرين سنة وكان ذا حزم وراي وسؤدد وهيبة وافرة وديانة ظاهرة‏.‏

وفيها توفي ابو بكر محمد بن طرخان التركي ثم البغدادي المحدث النحوي احد الفضلاء روى عن ابي جعفر بن المسلمة وطبقته وتفقه على الشيخ ابي اسحاق وكان ينسخ بالاجرة وفيه زهد وورع تام‏.‏

وفيها توفي ابو سعد المبارك بن علي من كبار ائمة المذهب‏.‏

روى عن القاضي ابي يعلى وجماعة وتفقه على الشريف ابي جعفر بن ابي موسى‏.‏

فيها كان المصاف بين السلطان محمود واخيه مسعود صاحب اذربيجان والموصل وله يومئذ احدى عشرة سنة فلما التقوا انهزم مسعود واسر وزيره وفي هذا الوقت كان ظهور ابن تومرت بالمغرب‏.‏

وفيها قتل في حصن تعز من بلاد اليمن اسعد بن ابي الفتوح بن العلاء بن الوليد الحميري قتله رجلان من اصحابه ودفن في الحصن قيل‏:‏ فلما قدم من بني ايوب سيف الاسلام الى اليمن نبش واخرج الى مقابر المسلمين‏.‏

وفيها وقيل في التي بعدها توفي في الجند الفقيه الامام عالم العلماء مفيد الطالبين وقدوة الانام زيد بن عبدالله اليمني - اليفاعي بالفاء قبل الالف وبعد المثناة من تحت - نسبة الى يفاعة‏:‏ مكان في اليمن‏.‏تفقه على الشيخ الامام ابي بكر بن جعفر بن عبد الرحيم المخائي - نسبة الى المخا‏:‏ بالخاء المعجمة المخففة وفتح الميم قبلها مكان قريب من زبيد على ساحل البحر - توفي ابو بكر المذكور سنة خمس مائة اخذ عنه جماعة وكان يحفظ المجموع للمحاملي والجامع في الخلاف لابى جعفر - على ما نقل الامام طاهر ابن الامام العلامة يحيى صاحب البيان عن والده المذكور - وتفقه زيد ايضاً بصهره الامام اسحاق بن يوسف الصروفي ثم ارتحل الى مكة في المرة الاولى فادرك فيها تلميذي الشيخ الامام ابي اسحاق الشيرازي مصنف المهذب وهما الحسين بن علي الشاشي الطبري مصنف العدة وابو نصر البندنيجي مصنف المعتمد في الخلاف فقرا عليهما وطريقه في المهذب وكتاب التبصرة في علم الكلام في اصول الدين الى ابي نصر البندنيجي‏.‏

وذكر ابن سمرة انه لما رجع زيد المذكور من مكة الى الجند سنة اثنتي عشرة وخمس مائة اجتمع عنده في الجند ما يزيد على مائتي رجل من اجلة الفقهاء من تهامة وابين وحضرموت والشحر والشام وغير ذلك وقرا الامام يحيى بن ابي الخير عليه النكت في الخلاف‏:‏ تصنيف الشيخ ابي اسحاق الشيرازي وسمع عليه ايضاً بقراءة الفقيهين الامام عبدالله الهمداني وعبدالله بن يحيى الصعبي وبقراءة غيرهما من الفقهاء الاجلة عدة كتب في الفقه والخلاف والاصول وذلك في دولة السلطان ابي الفتوح الحميري فعظم حال الفقيه وجمل امره واجتمع المؤالف - والمخالف على مودته وكان لا يصلي في الجامع الا الجمعة في اخر المسجد‏.‏

قلت لعل تاخره عند حضور الجماعة في الصلوات لما يخشى من الضرر في اجتماع الناس عليه وازدحامهم بحسن اعتقادهم فيه او غير ذلك من الافات كما ذكر الامام ابو حامد الغزالي انه راى بمكة بعض العارفين يصلي في بيته لا يحضر المسجد الحرام فساله عن ذلك فذكر كلاماً معناه انه يدخل عليه من الضرر في الخروج اكثر مما يدخل عليه النفع‏.‏

رجعنا الى ذكر زيد اليفاعي‏:‏ روى ابن سمرة عن بعض من ادرك انه قال‏:‏ دخلت الجند استفتيه عن مسالة في الفرائض - وكان صغير الخلق دقيق الجسم - فوجدته يدرس اصحابه في دهليز بيته فهبته هيبة عظيمة فغلطت سؤالي ورددت كلامي فانسني بكلامه واجابني عن سؤال باحسن الجواب‏.‏

قلت وقوله‏:‏ كان صغير الخلق دقيق الجسم‏:‏ اراد بذلك الاعلام بحليته والتعريف دون الانتقاص والتعنيف وقد وجد مثل هذا الخلق في كثير من العلماء والاولياء على ما اقتضت حكمة العليم القدير من التفاوت بين الكبير من الخلق والصغير‏.‏

وحكى ابن سمرة انه سئل بعض الفقهاء بحضرة الامام زيد المذكور عن الفقيه ابراهيم ابن علي ابن الامام الحسين بن علي الطبري مصنف كتاب العدة كيف كان حاله في العلم فقال‏:‏ هو مجود ولولا انه اشتغل بالعبادة مع الصوفية لكان في الفقه اماماً وفي الخلاف كاملاً‏.‏

قال الراوي‏:‏ وكان حاضراً فقلت له‏:‏ طريقته هذه غير ملومة ولا مكروهة فقال لي‏:‏ كان الشيخ - يعني جده القاضي حسين الطبري المذكور - يكره ذلك ويقول‏:‏ اشتغال العالم بالعبادة فرار من العلم فاعجب او قال‏:‏ اعجب زيد بهذه الحكمة‏.‏وقلت‏:‏ هذا صحيح لان الحرص في العلم يقوم مقام العبادة ولو كان فيه بعض قساوة انتهى وهو بعض كلامه وذكر بعده ما يوافقه من اقوال بعض الفقهاء‏.‏

قلت ولا شك ان فضل العلم وشرفه معروفان ولكن الشان في اخلاصه والعمل به فاذا حصل ذلك فهو النهاية ومع هذا فاحوال الناس مختلفة وقد قسمتهم في كتاب الارشاد على خمسة اقسام وليس اطلاق الكلام في الندب الى احدى الطريقين صحيحاً بل لا بد من تفصيل فمن كان له نية صحيحة في العلم ونجابة في الفهم ولم يغلب عليه احوال الرجال المشاهدين لنور الجمال فلا شك ان هذا يندب له المبادرة وبذل المجهود في الاشتغال بالعلم مع مزج ذلك بشيء من العبادة ولزوم سيرة السلف من التعفف والتورع والتقلل من الدنيا وان كان في ذلك ما ذكر من بعض القساوة فقد انصف في ذلك واما من لم يكن كما ذكرنا اما لعدم صلاح النية واما لعدم القابلية واما لخوف كثرة الافات في المخالطات واما لامتلاء القلب بمحبة العبادات واستئناسه بالمناجاة في الخلوات واما لورود الاحوال ووجود المشاهدات اعني مشاهدة نور الجمال واستيلاء هيبة العظمة والحلال فكل هؤلاء واقفون مع ما ورد على قلوبهم لكلى قوم مشرب وفي الهوى مذهب ولقد احسن قائلهم‏.‏

كانت لقلبي اهواء مفرقة فاستجمعت اذ راتك العين اهوائي تركت للناس دنياهم ودينهم شغلاً بحبك يا ديني ودنياي ولقد وقع بي في ابتداء اشتغالي بالعلم خاطر ان القياني في مجاذبتهما‏:‏ احدهما يجذبني الى العلم طلباً لفضله والاخر الى العبادة لوجود حلاوة فيها وسلامة من افات المخالطات والتشتت في البحث والمجادلات واشتعل في باطني مثل النار في القريحة المحرورة للمجاذبة المذكورة ثم حصلت والحمد لله اشارة اذهبت عني ذلك الاحتراق مردتني الى التسليم الى ما سبق به القضاء بتقدير الخلاق وذلك اني في حال تلك الشدة لما قلقت ولم استطع نوماً ولا قراراً ومعي كتاب اطالعه ليلاً ونهاراً فتحته في ذلك الوقت فرايت فيه ورقة قابلتني اول ما فتحته ولم ارها قبل ذلك مع طول ما طلبته وفيها ابيات ما كنت سمعتها وهي‏:‏ كن عن همومك معرضاً وكل الامور الى القضا فلربما اتسع المضيق وربما ضاق الفضا ولرب امرمتعب لك في عواقبه رضا الله يفعل ما يشاء فلا تكن متعرضا فلما قراتها كانما صب ماء على تلك النار فرد ذلك الاحتراق وذهبت تلك الاكدار وانشد لسان مقالي في تلك الوقت ما يوافق حالي وناديت قلبي‏:‏ اسمع وخذ بالاشارة فيا حسن ما في ضمها من بشارة ودربي مع ريح القضا حيث دارت وسلم لسلمى ثم سر حيث سارت عسى من خدور الحي تبدو بدورها توسلت حتى اقبلتك ثغورها الا يا لقومي اعلموني بحيلة الى وصل خودات كعاب جميلة اراك الحمى قل لي باي وسيلة اذا ما بدت ناديت في كل حيلة وايناس نفسي بعد زفري وحضرتي رحمت على صبري على كل كربة ثم استمريت في مدة يسيرة بشيء من الاشغال والاشتغال بالعلم مع مزج ذلك يتخلل البطالات ثم خطر لي عند وقوفي على كلام الفقهاء الذين نحن بصدده هذه الابيات‏:‏ تقضى زماني والقضاء مصرفي وكان الى العلم الشريف تشوفي وما كانت الايام الا قلائلاً به ثم مال القلب نحو التصوف ومن لم يسل في دهره نحوه يمت ولم يهو من صاحي جمالاً ويعرف فان كنت ذا جهل بمنهج حبه ومشربه سل عنه اهل التعرف قلت وفضل التصوف واهله اولي الصفاء والانوار والمعارف والاسرار والقرب والمنادمات والحضرة والمشاهدات لا يسعه مجلدات وقد ذكرت نبذة من ذلك في كتاب الاسرار والنظير في فضل ذكر الله تعالى وتلاوة كتابه العزيز وفضل الاولياء والناسكين والفقراء والمساكين وفي كتاب روض الرياحين في حكايات الصالحين وفي كتاب نشر المحاسن الغالية في فضل المشايخ اولي المقامات العالية قدس الله تعالى ارواحهم ونور ضرائحهم ونفعنا ببركاتهم وجعلنا معهم في محياهم ومماتهم امين ولله در قائلهم في وصف راح الهوى المعمورة من نور الجمال التي سكر بها المحبون اولو الاحوال حيث انشد وقال‏:‏

على نفسه فليبك من ضاع عمره ** وليس له منها نصيب ولاسهم

وفيها توفي ابو علي الحسن بن خلف القيراوني المقرىء صاحب تلخيص العبارات في القراءات‏.‏

والوزير مؤيد الدين الحسين بن علي الاصبهاني صاحب ديوان الانشاء للسلطان محمد بن ملك شاه كان من افراد الدهر وحامل لواء النظم والنثر وهو صاحب لامية العجم‏.‏

والحافظ الكبير ابو علي بن سكرة حسين بن محمد الاندلسي حج سنة احدى وثمانين وسمع ببغداد من البانياسي وطبقته واخذ التعليقة الكبرى عن ابي بكر الامام الشاشي المستظهري واخذ بدمشق عن الفقيه الامام نصر المقدسي ورد الى بلاده بعلم جم وبرع في الحديث وفنونه وصنف التصانيف‏.‏

فاكره على القضاء فوليه ثم اختفى حتى عفي واستشهد في المصاف وهو ابناء الستين‏.‏

وفيها توفي الامام ابو نصر عبد الرحمن ابن الامام ابي القاسم عبد الكريم بن هوازن القشيري كان اماماً كبيراً اشبه اباه في علومه ومجالسه وواظب على حضور درس امام الحرمين حتى حصل طريقته في المذهب والخلاف‏.‏ثم خرج فوصل الى بغداد وعقد بها مجلس وعظ وحصل له قبول عظيم وحضر الشيخ ابو اسحاق الشيرازي مجلسه‏.‏

واطبق علماء بغداد على انهم لم يروا مثله‏.‏وكان يعظ في المدرسة النظامية ورباط شيخ الشيوخ وله مع الحنابلة خصام بسبب الاعتقاد اذ هو وابو وشيخه امام الحرمين وغيرهم من اكابر العلماء ورؤوس الاشاعرة وانتهى الامر الى فتنة بين الفريقين قتل فيها جماعة من الطائفتين وركب احد اولاد نظام الملك حتى سكنها وبلغ الخبر نظام الملك وهو باصبهان وسير اليه استدعاءه فلما حضر عنده زاد في اكرامه ثم جهزه الى نيسابور فلما وصل اليها لازم الوعظ والدرس الى ان قارب انتهاء امره فاصابه ضعف في اعضائه وقال بعضهم‏:‏ فالج فاقام لذلك مقدار شهر ثم توفي ضحوة نهار الجمعة الثاني والعشرين من جمادى الاخرة من السنة المذكورة بنيسابور ودفن بالمشهد المعروف بهم وكان يحفظ من الشعر والحكايات شيئاً كثيراً‏.‏

وابو منصور محمود بن اسماعيل الصيرفي الاشقر راوي المعجم الكبير للطبراني‏.‏

قال السلفي‏:‏ كان صالحاً‏.‏

 سنة خمس عشرة وخمس مائة

فيها احترقت دار السلطنة ببغداد فتلف ما قيمته الف الف دينار‏.‏

وفيها توفي ابو علي الحداد‏:‏ الحسن بن احمد الاصبهاني المقرىء المجود مسند الوقت وكان مع علو اسناده اوسع اهل زمانه رواية حمل الكثير عن ابي نعيم وكا ن خيراً صالحاً‏.‏

وفيها توفي الملك الافضل شاهنشاه ابن امير الجيوش بدر الجمالي الارمني كان الملك الافضل وزيراً للمستعلي العبيدي وكان حسن التدبير فحل الراي وهو الذي اقام المستعلي بعد موت ابيه المستنصر مقامه وخلف من الاموال ما لم يسمع بمثلهما قيل انه خلف ستمائة الف دينار عيناً ومائتين وخمسين اردباً دراهم نقد مصر وخمساً وسبعين الف ثوب ديباج اطلس وثلاثين راحلة اخفافها من ذهب عراقي وداوة ذهب فيها جوهر قيمته اثنا عشر الف دينار ومائة مسمار من ذهب وزن كل مسمار مائة مثقال في عشرة مجالس في كل مجلس عشرة مسامير على كل مسمار منديل مشدود بذهب من الالوان ايما احب منها لبسه - وخمس مائة صندوق لكسوته خاصة من دف دمياط وبلد اخرى سموها وخلف من الرقيق والخيل والبغال والمراكب والطيب والتجمل والحلي ما لا يعلم قدره الا الله وخلف خارجاً من ذلك من البقر والجواميس والغنم كما يطول عدده وبلغ ضمان البانها في سنة وفاته ثلاثين الف دينار ووجد في تركته صندوقان كبيران فيهما ابر ذهب برسم النساء والجواري‏.‏

وكان شهماً مهيباً بعيد الغور ولي وزارة السيف والقلم واليه قضاء القضاة والتقدم على الدعاة في ولاية المستعلي ثم الامر وكانا معه صورة بلا معنى وكان قد اذن للناس في اظهار عقائدهم وامات شعار دعوة الباطنية فنقموه لذلك ووثب عليه ثلاثة من الباطنية فضربوه بالسكاكين فقتلوه وحملوه باخر رمق وقيل ان الامير دسهم عليه بتدبير ابي عبدالله البطائحي الذي وزر بعده ولقب بالمامون‏.‏

وفيها توفي ابو المصري المنزل والوفاة كان من ائمة الادب خصوصاً اللغة وله تصانيف نافعة منها كتاب الافعال احسن فيه كل الاحسان وهو اجود من الافعال لابن القوطبة وان كان ذاك سبقه اليه وله كتاب ابنية الاسماء جمع فيه فاوعب وعروض حسن جيد وكتاب الدرة الخطيرة المختارة من شعر الجزيرة ولمح اللمح جمع فيه خلقاً من علماء الاندلس قرا الادب على فضلاء صقلية كابن البراء اللغوي وامثاله واجاد النحو غاية الاجادة ورحل عن صقلية لما اشرف على تملكها الفرنج ووصل الى مصر في حدود سنة خمس مائة وبالغ اهل مصر في اكرامه ومن شعره‏:‏ وشادن لبيانه عقد حلت عقودي واوهنت جلدي عابوه جهلاً بها فقلت لهم اما سمعتم بالنفث في العقد وله شعر كثير توفي بمصر‏:‏ وفيها توفي الحافظ ابو الخير بن عوض الهروي‏.‏

كان عالماً صاحب حديث وافادة حريصاً على الطلب‏.‏

 سنة ست عشرة وخمس مائة

توفي الامام محيي السنة ابو محمد الحسين بن مسعود الفراء البغوي الشافعي المحدث المقرىء صاحب التصانيف وعالم اهل خراسان كان سيداً زاهداً قانعاً ياكل الخبز وحده فليم في ذلك فصار ياكله بالزيت وكان ابوه يصنع الفراء توفي بمروروذ ودفن عند شيخه القاضي حسين اخذ الفقه عنه وصنف في تفسير كلام الله تعالى واوضح المشكلات من قوله صلى الله عليه واله وسلم وروى الحديث ودرس وكان لا يلقي الدرس الا على طهارة وصنف كتباً كثيرة منها‏:‏ كتاب التهذيب في الفقه وشرح السنة في الحديث ومعالم التنزيل في تفسير القران الكريم وكتاب المصابيح والجمع بين الصحيحين وغير ذلك والبغوي نسبة الى بلدة بخراسان بين مرو وهراة يقال لها بغ بالباء الموحدة والغين المعجمة‏.‏

والحافظ ابو محمد عبدالله بن احمد السمرقندي سمع من ابي بكر الخطيب وجماعة ورحل الى نيسابور واصبهان‏.‏

وابو القاسم بن الفحام الصقلي‏:‏ عبد الرحمن بن ابي بكر مصنف التجويد في القراءات‏.‏

وابو محمد الحرير‏:‏ صاحب المقامات القاسم بن علي بن محمد البصري الاديب حامل لواء البراعة وفارس النظم والنثر ونسجهما بظرافة الصناعة كان من رؤساء بلده روى الحديث عن ابي تمام محمد بن الحسين وغيره وعاش سبعين سنة ورزق الحظوة التامة في عمل المقامات واشتملت على شيء كثير من كلام العرب من لغاتها وامثالها ورموز اسرار كلامها حتى قال بعض الفضلاء‏:‏ من عرفها حق معرفتها استدل بها على فضل هذا الرجل وكثرة اطلاعه وغزارة مادته‏.‏

وكان سبب وضعه لها ما حكاه ولده ابو القاسم عبدالله قال‏:‏ كان ابي جالساً في مسجد بني حرام فدخل شيخ ذو طمرين عليه اهبة السفر رث الحال فصيح الكلام حسن العبارة فسالته الجماعة‏:‏ من اين الشيخ فقال‏:‏ من سروج فاستخبروه عن كنيته قال‏:‏ ابو زيد فعمل ابي المقامة المعروفة بالحرامية وهي الثامنة والاربعون وعزاها الى ابي زيد المذكور واشتهرت فبلغ خبرها الوزير شرف الدين ابا نصر القاشاني - بالقاف والشين المعجمة - وزير الامام المسترشد باللة فلما وقف عليها اعجبته واشار على والدي ان يضم اليها غيرها فاتمها خمسين مقامة‏.‏

والى الوزير المذكور اشار الحريري في خطبة المقامات بقوله‏:‏ فاشار من اشارته حكم وطاعته غنم الى ان انشىء مقامات اتلو فيها تلوالبديع وان لم يدرك الظالع شيئاً والضليع‏.‏

هكذا وجد في عدة تواريخ في نسخة من المقامات عليها خطه وقد كتب بخطه ايضاً على ظهرها انه صنفها للوزير جلال الدين عميد الدولة ابي علي الحسن بن ابي المعز علي ابن صدقة وزير المسترشد قيل‏:‏ وهذا اصح من الرواية الاولى لكونه بخط المصنف والله اعلم‏.‏وذكر القاضي ابو الحسن علي بن يوسف الشيباني وزير حلب في كتابه المسمى انباء الرواة على ابناء النجاة ان ابا زيد المذكور اسمه المطهر بن سلار وكان بصيرياً نحوياً لغوياً وصحب الحريري المذكور واشتغل عليه بالبصرة وتخرج به روى عنه القاضي ابو الفتح محمد بن احمد الميداني الواسطي ملحة الاعراب للحريري وذكر انه سمعها منه عن الحريري وقال‏:‏ قدم علينا واسط سنة ثمان وثلاثين وخمس مائة فسمعنا منه وتوتجه منها مصعداً الى بغداد فوصلها واقام مدة يسيرة وتوفي بها رحمه الله تعالى‏.‏

واما تسمية الراوي لها بالحارث بن همام فانما عنى به نفسه هكذا ذكر ابن خلكان وقال‏:‏ وقفت عليه في بعض شروح المقامات وهو ماخوذ من قول النبي صلى الله عليه واله وسلم‏:‏ كلكم حارث وكلكم همام فالحارث‏:‏ الكاسب والهمام‏:‏ كثير الاهتمام وما من شخص الا وهو حارث وهمام لان كل احد كاسب ومهتم باموره‏.‏

وقد اعتنى بشرحها خلق كثير فمنهم من طول ومنهم من اختصر قال ابن خلكان‏:‏ ورايت في بعض المجاميع ان الحريري لما عمل المقامات كان قد عملها اربعين مقامة وحملها من البصرة الى بغداد فادعاها فلم يصدقه من ادباء بغداد وقالوا انها ليست من تصنيفه بل هي لرجل مغربي من اهل البلاغة مات بالبصرة ووقعت اوراقه اليه فادعاها فاستدعاه الوزير الى الديوان وساله عن صناعته فقال‏:‏ انا رجل منشىء فاقترح عليه انشاء الرسالة في واقعة عينها فانفرد في ناحية عن الديوان واخذ الدواة والورقة ومكث زماناً كثيراً فلم يفتح الله سبحانه عليه بشيء من ذلك فقام وهو خجلان وكان في جملة من انكر دعواه في عملها ابو القاسم بن افلح الشاعر فلما لم يعمل الحريري الرسالة التي اقترحها شيخ لنا من ربيعة الفرس ينتف عثنوته من الهوس انطقه الله بالمشان كما رماه وسط الديوان بالخرس وكان الحريري يزعم انه من ربيعة الفرس وكان مولعاً ينتف لحيته عند الفكرة وكان يسكن في مشان البصرة فلما رجع الى بلده عمل عشر مقامات اخر وسيرهن واعتذر من عيه وحصره بالديوان بما لحقه من المهابة وللحريري تاليف حسان منها‏:‏ درة الغواص في اوهام الخواص ومنها ملحة الاعراب منظومة في النحو والاداب وله ايضاً شرحها وله ديوان رسائل وشعر كثير غير شعره الذي في المقامات ومن ذلك قوله‏:‏

قال العواذل ما هذا الغرام به ** اما ترى الشعر في خديه قد نبتا

فقلت والله لو ان المفند لي ** تامل الرشد في عينيه ما ثبتا

ومن اقام بارض وهي مجدبة ** فكيف يرحل منها والربيع اتى وله قصائد استعمل فيها التجنيس كثيراً ويحكى انه كان دميماً قبيح المنظر فجاءه شخص غريب يزوره وياخذ عنه شيئاً من شعره فلما راه استزرى شكله ففهم الحريري ذلك منه فلما التمس ان يملي عليه قال‏:‏ اكتب‏.‏

ما انت اول سار غره قمر ورائد اعجبته خضرة الدمن فخجل الرجل منه وانصرف عنه‏.‏

والمعيدي‏:‏ بضم الميم وفتح العين المهملة وسكون المثناة من تحت وبعدها دال مهملة مكسورة‏:‏ رجل منسوب الى معد بن عدنان وقد نسبوه بعدما صغروه وخففوا منه الدال وفيه جاء المثل المشهور‏:‏ لان تسمع بالمعيد خير من ان تراه وهذا المثل يضرب لمن له صيت وذكر ولا منظر له قال المفضل الضبي‏:‏ اول من تكلم بهذا المثل المنذر بن ماء السماء قاله لمشقة بن ضمرة التميمي الدارمي وكان قد سمع بذكره فلما راه قبحه فقال له هذا المثل وسار عنه فقال له شقة‏:‏ ابيت اللعن ان الرجال ليسوا بحرزير مراد منها الاجسام انما المرء باصغريه قلبه ولسانه فاعجب المنذر بما راى من عقله وبيانه ومن شعر الحريري قوله‏:‏

لا تزر من تحب في كل شهر ** غير يوم ولاتزده عليه

فاضتياء الهلال في الشهر يوم ** ثم لا تنظر العيون اليه

قلت‏:‏ وقد عارضت بيتي الحريري اللذين اطلق فيهما الزيارة في كل شهر مرة تشبيهاً بالهلال بابيات فصلت فيها بين المزورين المتفاوتين في الاحوال واشرت الى ان - بعضهم وهو اخصهم بالمودة والانس - يزار كل يوم كالشمس وبعضهم ممن يليه في الود والدفعة في كل اسبوع كالجمعة وبعضهم ممن قل وده او شق بعمه او كان مع قرب الدار يؤثر قلة المزار وملاقاة الرجال في الشهر مرة كالهلال وبعضهم ممن نات به البلاد وان كان من اهل الصحبة والوداد - في السنة مرتين تشبيهاً بالعيدين كما يختلف بالقرب وبعد البلاد ويختلف بالقلة وكثرة الوداد فصلت بين الحالات المذكورات بهذه الابيات‏:‏ لا تزرنا في الحمى كل عام غير مثنى على مرور الدهور هل ترى العيد زائراً كل عام غير ثنتين عائداً بالسرور او دنت داره ففي كل يوم فيه للشمس بهجة بالظهور او ترى بين قرب دار وبعد زر كما زاره هلال الشهور او ترى قدر بعده دون هذا بالجمع تلك ضاحكات الثغور يجتلي حسنه بغر الليالي او يزهر قد اكتسى ثوب نور ان تساووا محاسناً سار اولاً فاوتن بالكواكب كالبدور غير ان المزار في كل يوم عند حب غرامه في الصدور واعتدال بحبها زاد حباً عند من زرت في خبا او قصور والذي يؤثر التقلل مثلي زر قليلاً بذاك كثر الاجور خذ مقالي مفصلاً ذا وضوح ما به مشكل ولا ذو قصور رحم الله متقنا صنعه في ضيق لحد مجاور للقبور فعسى الله دعوة من شقيق فارى ما نظمت في ذي السطور وكذلك عارضت قصيدته التي فضل بها الغني على الفقير ومن جملتها قوله في هذه الابيات‏:‏

فانظر بعينك هل ارض معطلة ** من النبات كارض حفها الشجر

ابعد عما تيسر الاغنياء به ** فاي فضل له ود ما له ثمر

وارحل ركابك عن ارض ظمئت بها ** الى الجنان الذي يهمي به المطر

وعارضته بقصيدة وسميتها المنهج الاسنى في تفضيل الفقر على الغنى هذه الابيات منها‏:‏

قل للحريري من ذا في الحرير غدا ** وقصر در وحور زانها الحور

وفاكهات وانهار مدفقة ** شهيدو وكثبان مسك والحصى درر

وجل نور وياقوت ** اسرتها تزهو براكبها والحسن والسرر

وطيب عيش ترى كل النعيم به ** ما تشتهي النفس مما ليس ينحصر

والضد في ضنك اهوال وروعتها** سنين خمس منير جابذ الخبر

اذا هشيماً راى الغصن البصير له ** تذري الرياح به قد حلت الغير

يحكي سراباً ظن ذو ظما ** او حلم نوم فلم يوجد له اثر

انقد بعين فؤاد جوهراً لهما ** عين البصيرة تدري الحسن لا البصر

فجوهر الفقر تزهو جوهريته ** بالحك والمال زيف حين يختبر

وانظر هل الزرع في ارض مجردة ** كزرع ارض وفيها الغيث والشجر

ان الفقير الذي للفقر مصطبر ** هو الغني والغنى بالمال مفتقر

يكفيك لو كان الفؤاد له ** نوع اعتبار اذا مرت به الغير

من ليس يغنيه منا وادياً ذهب ** يهلع ويجمع ولا يشبع ويدخر

مستقبلاً فيه افات معجلة ** وفي المال لصافي الماء جا كدر

شغلاً عن الله مع حب لمبغضة ** ورب هول غدا والنار تستعر

والفقر كم من سعادات يحوز بها ** بفوز حلب لها بالسبق تبتدر

مع الفراغ لطاعات مقربة ** ممن هو الملك الوهاب مقتدر

ساحوا وباحوا وصاحوا صار ** مدحتهم خلع العذار لحى العذال او غدروا

يا سعد عبد غني القلب ذي ارب ** راض بمقدور مولى ما به ضجر

من فتية زارعي الخيرات ارضهم ** نقوا من الغيث والاشجار اذ بذروا

ان قيل بافضل من لا يحتلي محلاً ** ممدوحة اي فضل فيه يفتخر

قل حب محبوب ونصر هدى ** ليافعي رجا هذين مدخر

مع من احب يكون المرء يومئذ ** والاجر حق لقوم للهدى نصروا

في كل هذا نصوص الشرع ناطقة ** مع الكتاب حديث صح مشتهر

وما لعبد نزول فوق منزلة ** اولاه مولاه بل يرضى وياتمر

لا بد في الملك من ترتيب مملكة ** لو لم يكن ما نهى الناهون او امروا

فيها امير وجندي له ** وبها وزير ملك ومخدوم ومحتقر

في الخلق دار بنوه وفق حكمتهم ** وقدروا الامر فيه حسب ما قدروا

فكيف ترتيب خدام لمملكة ** عن حكمة الحق ما قد قدر القدر

سلم له وارض بالمقدور ان له ** حكماً به مودع سر له خبر

فطاعة الحكيم مع تسليم حكمته ** وظيفة العبد راضيها له خطر

فنسال الله توفيق القيام بها ** والصرف عن كل وصف ضمنه خطر

ها هي بدت في حكمي فقر معارضه ** من في الحرير الغني بالمال يفتخر

مصونة جا حسن مخدرة ** عن غير كفو فعنه الحسن مستتر

عن اربعين لقد فاقت باربعة ** من سبعة نيف سبعين مختصر

ختامها حمد ربي والصلاة على ** ختام رسل سراج دونه القمر

يعني ان الابيات المذكورة هنا اربعة واربعون مختصرة من قصيدة له مشتملة على سبعة وسبعين بيتاً‏.‏

توفي الحريري رحمه تعالى الله في السنة المذكورة وقيل في سنة خمسين بالبصرة في سكة بني حرام فنسب اليهم من هذه السكة التي سكن بها وكانت ولادته في سنة ست واربعين واربعمائة‏.‏

والمشان بفتح الميم والشين المعجمة بعد الالف نون‏:‏ بليدة فوق البصرة كثيرة النخل شديدة الوخم وكان اصل الحريري منها ويقال انه كان له ثمانية عشر الف نخلة وكان فاضلاً نبيلاً جليل القدر له تاريخ لطيف سماه‏:‏ صدور زمان القبور وقبور زمان الصدور نقل منه العلماء والاصبهاني في كتاب‏:‏ نصرة الفترة وعصرة الفترة الذي ذكر فيه اخبار الدولة السلجوقية نقلاً كثيراً وفيها توفي الحافظ ابو عبدالله محمد بن عبد الواحد الاصبهاني الدقاق كان محدثاً اثرياً فقيراً متقللاً سنة سبع عشرة وخمس مائة في اولها التقى الخليفة المسترشد بالله ودبيس الاسدي وكان دبيس قد طغى وتمرد ووعد عسكره بنهب بغداد وجرد المسترشد يومئذ سيفه ووقف على تل فانهزم جمع دبيس وقتل خلق منهم وقتل من جيش الخليفة نحو عشرين رجلاً وعاد مؤيداً منصوراً وذهب دبيس فعات ونهب وقتل في نواحي البصرة‏.‏وفيها توفي ابن الخياط الشاعر المشهور‏:‏ ابو عبدالله احمد بن محمد التغلبي الدمشقي الكاتب كتب اولاً لبعض الامراء ثم مدح الملوك والكبار وبلغ في النظم الذروة العليا اخذ عن ابي فتيان بن الجيوش وعنه اخذ ابن القيرواني قال السلفي‏:‏ كان شاعر الشام في زمانه‏.‏

وفيها توفي الحافظ الكبير ابو نعيم عبدالله بن ابي علي الحداد مؤلف اطراف الصحيحين كان عجباً في الاحسان الى الراحلة وافادتهم مع الزهد والعبادة والفضيلة التامة‏.‏

وفيها توفي ابو الغنائم بن المهتدي بالله‏:‏ محمد بن محمد الهاشمي الخطيب‏.‏

وفيها توفي الحافظ ابو الحسن محمد بن مرزوق البغدادي رحمه الله

وفيها توفي ابو صادق مرشد بن يحيى سنة ثمان عشرة وخمس مائة فيها كسر ابن بهرام - صاحب حلب - الفرنج ثم نازل منبج فجاءه سهم فقتله فحمله ابن عمه - صاحب ماردين - الى ظاهر حلب وتسلم حلب واقام بها نائباً ورد الى ماردين فراحت حلب‏.‏

وفيها اخذت الفرنج صور بالامان وبقيت في ايديهم الى سنة تسعين وست مائة‏.‏

وفيها توفي ابو الفضل احمد بن محمد الدينوري البغدادي المولد الشاعر المعروف بابن الخازن كان فاضلاً فائق الخط اوحد وقته اهتم ولده نصر الله الكاتب المشهور بجمع شعره فجمع منه وهو حسن السبك منه قوله‏:‏ - وقد اضافة الحكيم ابو القاسم الاهوازي يوماً وزاد في خدمته واكرامه وكان في داره بستان وحمام فادخله فيهما‏:‏ وافيت منزله فلم ار حاجباً الا تلقاني بسن ضاحك والبشر في وجه الغلام امارة لمقدمات ضياء وجه المالك ودخلت جنته وزرت حميمه فشكرت رضواناً ورافة مالك قال ابن خلكان‏:‏ ثم اني وجدت هذه الابيات للحكيم ابي القاسم هبة الله بن الحسين الاهوازي الطبيب الاصفهاني ذكره العماد في الخريدة‏.‏

وفيها توفي الحسن بن الصباح صاحب الالموت وزعيم الاسماعيلي وكان ذاهيبة ماكراً زندقياً من شاطين الانس‏.‏

وفيها توفي ابو الفتح سلطان بن ابراهيم المقدسي الشافعي الفقيه قال السلفي‏:‏ كان من افقه الفقهاء بمصر تفقه عليه اكثرهم وقال غيره‏:‏ اخذ عن ابي نصر المقدسي وسمع من ابي بكر الخطيب وسمع من جماعة‏.‏وفيها توفي ابو بكر غالب بن عبد الرحمن بن غالب القرماطي الحافظ كان حافظاً للحديث وطرقه وعالمه عارفاً برجاله ذاكراً لمتونه ومعانيه‏.‏

ذكر بعضهم انه كرر صحيح البخاري سبعمائة مرة كان اديباً شاعراً لغوياً ديناً‏.‏

وفيها توفي ابو الفضل احمد بن محمد الميداني النيسابوري كان اديباً فاضلاً عارفاً باللغة واختص بصحبة الامام ابي الحسن الواحدي صاحب التفسير ثم قرا على غيره واتقن في العربية خصوص اللغة وامثال العرب وله فيها التصانيف المفيدة منها‏:‏ كتاب الامثال المنسوب اليه ولم يعمل مثله في بابه وكتاب‏:‏ السامي في الاسامي وهو جيد في بابه وكان قد سمع الحديث ورواه وكان ينشد كثيراً‏:‏ تنفس صبح الشيب في ليل عارضي فقلت‏:‏ عساه يكتفي بعذاري فلما فشا عاتبته فاجابني ايا هل ترى صبحاً بغير نهار سنة تسع عشرة وخمس مائة فيها سار الخليفة لمحاربة دبيس فانخذل دبيس وذل وطلب العفو وكان معه طغرل بك ابن السلطان محمد فمرض ثم سارا الى خراسان واستجارا لسنجر فاجارهما ثم قبض على دبيس خدمة للخليفة‏.‏وفيها توفي ابو عبدالله بن البطائحي المامون وزير الديار المصرية للام وكان ابوه جاسوساً للمصريين فمات‏.‏

روى محمد هذا يتيماً راه شاباً ظريفاً فاعجبه فاستخدمه مع الفراشين ثم تقدم عنده ثم ال امره الى ان ولي بعده وفيها توفي ابو البركات بن البخاري البغدادي المعدل هبة الله بن محمد‏.‏

 سنة عشرين وخمس مائة

يوم الاضحى منها خطب المسترشد بالله وصعد المنبر ووقف ابنه ولي العهد - الراشد بالله - دونه بيده سيف مشهور وكان المكبرون خطباء الجوامع ونزل فنحر بيده بدن وكان يوماً مشهوداً ما عهد للاسلام مثله منذ دهر‏.‏

وفيها توفي الامام الرباني ذو الاسرار والمعرف والمواهب واللطائف‏:‏ ابو الفتوح احمد بن محمد الطوسي الغزالي الواعظ - اخو الامام حجة الاسلام ابي حامد‏.‏

شيخ مشهور فصيح مفوة صاحب قبول تام لبلاغته وحسن ايراده وعذوبة لسانه وعظ مرة عند السلطان محمود فاعطاه الف دينار وكان مليح الوعظ حسن المنظر صاحب كرامات واشارات وكان من الفقهاء غير انه مال الى الوعظ والتصوف فغلب عليه ودرس بالنظامية نيابة عن اخيه ابي حامد لما ترك التدريس زهادة فيه اختصر كتاب اخيه المسمى باحياء علوم الدين في مجلد واحد وسماه‏:‏ لباب الاحياء وله كتاب اخر سماه‏:‏ الذخيرة في علم البصيرة وطاف البلاد وخدم الصوفية بنفسه وخدموه وصحبهم وصحبوه وكان مائلاً الى الانقطاع والعزلة‏.‏وذكره ابن النجار في تاريخ بغداد فقال‏:‏ كان قد قرا القارىء بحضرته‏:‏ ‏"‏ قل يا عبادي الذين اسرفوا على انفسهم ‏"‏ - الزمر - فقال‏:‏ شرفهم بياء الاضافة الى نفسه بقوله يا عبادي ثم انشد‏:‏ وهان علي اللوم في جنب حبها وقول الاعادي انه لخليع اصم اذا نوديت باسمي وانني اذا قيل لي‏:‏ يا عبدها لسميع وهذا مثل قول بعضهم‏:‏ لا تدعني الا بيا عبدي فانه اشرف اسمائي وتوفي بقزوين - رحمه الله تعالى‏.‏

قلت هكذا اثنى عليه الحافظ ابن النجار وغيره من العلماء والاولياء ولا التفات الى ما اومى اليه الذهبي من بعض الطعن فيه‏.‏

ومما يحكى من مكاشفاته انه ساله انسان عن اخيه محمد اين هو فقال‏:‏ في الدم ثم طلبه السائل فوجده في المسجد فتعجب من قول اخيه في الدم وذكر له ذلك فقال‏:‏ صدق كنت افكر في مسالة من مسائل المستحاضة - رحمة الله تعالى عليهما‏.‏

وفيها توفي ابو بحر الاسدي‏.‏

سفيان بن العاصي محدث قرطبة‏.‏

وصاعد بن سيار ابو العلاء الهروي الدهان قال السمعاني‏:‏ كان حافظاً متقناً كتب الكتب الكثيرة وجمع الابواب وعرف الرجال‏.‏

وابو الوليد محمد بن احمد بن رشد المالكي قاضي الجماعة بقرطبة ومفتيها‏.‏

روى عن ابي علي الغساني وابي مروان بن مروان وخلق وكان من اوعية العلم له تصانيف مشهورة عاش سبعين سنة‏.‏

وفيها توفي ابو عبدالله محمد بن بركات السعيدي المصري النحوي اللغوي روى عن القضاعي وغيره وسمع البخاري من كريمة بمكة‏.‏

وفيها توفي ابو الفتح احمد بن علي المعروف بابن برهان الفقيه الشافعي كان متبحراً في الاصول والفروع والمتفق والمختلف وتفقه على ابي حامد الغزالي وابي بكر الشاشي وابي الحسن المعروف بالكيا وصار ماهراً في فنونه وصنف كتاب الوجيز في اصول الفقه وولي التدريس بالمدرسة النظامية ببغداد دون الشهر وبرهان بفتح الباء الموحدة وسكون الراء‏.‏

وفيها توفي الامام ابو بكر بن الوليد القريشي الفهري الاندلسي الفقيه المالكي الطرطوشي‏.‏

بضم الطائين المهملتين بينهما راء ساكنة وبعدهما واو ساكنة ثم شين معجمة منسوباً الى طرطوشة‏:‏ مدينة في اخر بلاد المسلمين بالاندلس‏.‏

صحب ابا الوليد الباجي واخد عنه مسائل الخلاف وسمع منه واجاز له وقرا الفرائض والحساب وقرا الادب على ابي محمد بن حزم ورحل الى المشرق سنة ست وسبعين واربعمائة‏.‏

وحج ودخل بغداد والبصرة وتفقه على ابي بكر محمد الشاشي المعروف بالمستظهري الفقيه الشافعي وعلى ابي العباس احمد الجرجاني وسكن الشام ودرس بها وكان اماماً عالماً عاملاً زاهداً ورعاً ديناً متواضعاً متقشفاً متقللاً من الدنيا راضياً منها باليسير على ما ذكره بعض المؤرخين‏.‏

وكان يقول‏:‏ اذا عرض لك امران‏:‏ امر دنيا وامر اخرى فبادر بامر الاخرى يحصل لك امر الدنيا والاخرى وكان كثيراً ما ينشد‏:‏ ان لله عباداً فطنا طلقوا الدنيا وخافوا الفتنا فكروافيها فلماعلموا انها ليست لحي وطنا جعلوها لجة واتخذوا صالح الاعمال فيها سفنا قلت‏:‏ هكذا قال بعضهم‏:‏ فكروا فيها وقال بعضهم‏:‏ نظروا فيها والكل معناه واحد فان المراد‏:‏ ينظروا نظرة القلب وله من التصانيف‏:‏ سراج الملوك وغيره وله طريقة في الخلاف ونسب اليه اشعار من ذلك‏:‏ اذا كنت في حاجة مرسلاً وانت بانجازها معزم فارسل باكمه خلانه به صمم اعطش ابكم ودع عنك كل رسول سوى رسول يقال له الدرهم وحكي انه اجتمع بالامام حجة الاسلام ابي حامد الغزالي في بلاد الشام وقصد مناظرته فقال له ابو حامد‏:‏ هذا شيء تركناه بصبية بالعراق يعني‏:‏ ترك المغالبة بالعلم والمفاخرة فيه لصبية - جميع صبي - كانه شبه من يطلب هذا بالصبيان لغلبة الهوى عليهم نسال الله التوفيق لصالح الاعمال وحسن الخاتمة عند منتهى الاجال‏.‏

 سنة احدى وعشرين وخمس مائة

فيها اقبل السلطان محمود بن محمد ابن ملك شاه في جيشه محارباً للمسترشد بالله فتحول اهل بغداد كلهم الى الجانب الغربي ونزل محمود والعسكر بالجانب الشرقي وتراموا بالنشاب وترددت الرسل في الصلح فلم يفعل الخليفة فنهبت دار الخلافة فغضب الخليفة وخرج من المخيم‏.‏

والوزير ابن صدقة بين يديه - فقدموا السفن في دفعة واحدة وعبر عسكر الخليفة والبسوا الملاحين السلاح وسبح العيارون وصاح المسترشد‏:‏ يا لبني هاشم فتحركت النفوس معه هذا وعسكر السلطان مشغولون بالنهب فلما راوا الجد ولوا الادبار وعمل فيهم السيف واسر منهم خلق وقتل جماعة امراء ودخل الخليفة الى داره وكان معه يومئذ قريب من ثلاثين الف مقاتل ثم وقع الصلح‏.‏

وفيها ورد الخبر بان سنجر صاحب خراسان قتل من الباطنية اثني عثر الفاً ومرض السلطان محمود وتعلل بعد الصلح فرحل الى همدان وولي بغداد الامير عماد الدين زنكي ثم صرف بعد اشهر وفوض اليه الموصل وسار اليها لموت متوليها‏.‏

وفي السنة المذكورة توفي ابو السعادات احمد بن احمد بن عبد الواحد الهاشمي العباسي المتوكلي شريف صالح خير‏.‏

روى عن الخطيب وغيره وعاش ثمانين سنة‏.‏

ختم التراويح ليلة سبع وعشرين ورجع الى منزله فسقط من السطح فمات رحمه الله تعالى‏.‏

وفيها توفي ابو الحسن بن الدينوري علي بن عبد الواحد روى عن القزويني وابي محمد الخلال وهو اقدم شيخ لابن الجوزي وابو العز القلانسي محمد بن الحسين بن بندار الواسطي مقرىء العراق وصاحب التصانيف في القراءات‏.‏

وفيهما توفي عبد الله بن محمد المعروف بابن السيد البطليوسي النحوي كان عالماً بالاداب واللغات متبحراً فيهما ومقدماً في معرفتهما واتقانهما وكان الناس يجتمعون اليه ويقرؤون عليه ويقتبسون منه وكان حسن التعليم جيد التفهيم ثقة ضابطاً الف كتباً نافعة منها كتاب المثلث فى مجلدين اتى فيه بالعجائب ودل على اطلاع عظيم فان مثلث قطرب في كراسة واحدة قالوا‏:‏ ومع هذا استعمل فيه الضرورة وما لا يجوز وغلط في بعض ذلك وله كتاب‏:‏ الاقتضاب في شرح ادب الكتا وشرح سقط الزند لابي العلاء المعري شرحاً استوفى فيه المقاصد وهو اجود من شرح ابي العلاء وله كتاب الخلل في شرح ابيات الجمل والخلل في اغاليط الجمل ايضا وكتاب شرح الموطا قيل وشرح ديوان المتنبي وكتباً اخرى وله اخو العلم حي خالد بعد موته واوصاله تحت التراب رميم وذو الجهل ميت وهو ماش على الثرى يظن من الاحياء وهو عديم

 سنة اثنتين وعشرين وخمس مائة

في اولها تملك حلب عماد الدين زنكي‏.‏

وفيها سار السلطان محمود الى خدمة عمه سنجر فانطلق له دبيس بن صدقة وقال‏:‏ اعزل زنكي عن الموصل والشام واولي دبيساً واسال الخليفة ان يصفح عنه فاخذه ورجع‏.‏

وفيها توفي الحافظ ابو محمد عبدالله بن احمد الاشبيلي كان حافظاً للحديث وعلله عارفاً برجاله وبالجرح والتعديل ثقة كتب الكثير واختص بابي علي الغساني وله تصانيف في الرجال‏.‏

وابن صدقة الوزير ابو علي الحسن وزير المسترشد كان ذا حزم وعقل ودهاء وراي وادب وفضل‏.‏

 سنة ثلاث وعشرين وخمس مائة

فيها اصلح زنكي نفسه بان يحمل للسلطان في السنة مائة الف دينار وخيلاً وثياباً وافرة‏.‏

وفي رمضان منها هجم دبيس على نواحي بغداد وعلى الحلة وبعث الى المسترشد يقول‏:‏ ان رضيت عني رددت اضعاف ما ذهب به من الاموال فقصده عسكر محمود فدخل البرية بعد ان اخذ من العراق نحو خمس مائة الف دينار‏.‏

وفيها اخد زنكي حماة ثم نازل حمص واسر صاحبها واخذه معه لما لم يقدرعلى اخذها ورد الى الموصل‏.‏

وفيها قتل بدمشق نحو ستة الاف ممن كان يرمى بعقيدة الاسماعيلي وكان قد دخل الشام بهرام الاستراباذي واضل خلقاً كثيراً واقام داعياً بدمشق فكثر اتباعه وملك عدة حصون بالشام ثم راسل الفرنج ليسلم اليهم دمشق - فيما قيل - ويعوضوه بصور وقرر الباطنية بدمشق ان يغلقوا ابواب الجامع - والناس في الصلاة - ووعد الفرنج ان يهجموا البلد حينئذ فقتله بوري بن طغتكين - بالطاء المهملة والغين المعجمة والكاف بين المثناة من فوق ومن تحت ثم النون - وعلق راسه على القلعة ووضع السيف في الباطنية الاسماعيلية بدمشق في نصف رمضان يوم الجمعة وسلم بهرام بانياس للفرنج وجاءت الفرنج فنازلت دمشق ثم تناجى عسكر دمشق والعرب والتركمان فبيتوا للفرنج فقتلوا واسروا‏.‏وفيها توفي ابو الحسن عبدالله بن محمد ابن الامام ابي بكر البيهقي‏.‏

سمع الكتب من جده ومن الصابوني وجماعة‏.‏

وفيها توفي ابو الفضل جعفر بن عبد الواحد الثقفي الاصفهاني الرئيس‏.‏

وفيها توفي الفقيه العلامة احد الائمة الكبار يوسف بن عبد العزيز نزيل الاسكندرية احكم الاصول والفروع وروى الصحيحين وله التعليقة الكبرى في الخلاف‏.‏

فيها التقى زنكي الفرنج بناحية حلب وثبت الجمعان ثم ولت الفرنج فوضع السيف فيهم وافتتح زنكي حصن الاثارب فنازل حصن كادم‏.‏وفيها اخذ السلطان محمود قلعة الالموت‏.‏

وفيها ظهرت ببغداد عقارب طيارة قتلت جماعة اطفال‏.‏

وفيها توفي ابو اسحاق ابراهيم بن يحيى الكلبي الغزي المشهور شاعر محسن ذكره الحافظ ابن عساكر في تاريخ دمشق وسمع من الشيخ نصر المقدسي سنة احدى وثمانين واربعمائة رحل الى بغداد واقام بالمدرسة النظامية عدة سنين ومدح ورثى غيرواحد من المدرسين بها وغيرهم ثم رحل الى خراسان وامتدح بها جماعة من رؤسائها وانتشر شعره هناك وذكر له عدة مقاطع من الشعر واثنى عليه‏.‏انتهى كلام الحافظ‏.‏قال ابن خلكان‏:‏ وله ديوان شعر اختاره بنفسه وذكر في خطبته انه الف بيت وذكره العماد الكاتب في الخريدة واثنى عليه وقال‏:‏ انه جاب البلاد وتغرب وتغلغل في اقطار خراسان وكرمان ومدح وزير كرمان مكرم بن العلاء في قصيدته البائية التي ابدع فيها‏.‏

منها قوله‏:‏ حملنا من الايام ما لا نطيقه كما حمل العظم الكثير العصائبا ومنها في قصر الليل‏.‏

وهي معنى لطيف‏:‏ وليل رجونا ان يدب عذاره فما اختط حتى صار بالفجر شائبا قالوا هجرت السفر قلت‏:‏ ضرورة وباب الدواعي والبواعث مغلق خلت الديار فلا كريم يرتجى منه النوال ولا مليح بعشق ومما يستملحه الادباء ويستظرفونه قوله‏:‏ اشارة منك كفينا واحسنها رد السلام غداة البين بالعنم ام ترانا وقد ضمت يد ليد عند العناق وقد لاقى فم لفم حتى اذا طرح عنها المرط من دهش فانحل بالضم سلك العقد في النظم تبسمت فاضاءالليل فالتقطت حباب منتشرفي ضوء منتظم قيل‏:‏ والبيت الاخير منها ينظر الى قول الشريف الرضي من جملة قصيدته‏:‏ وبات بارق ذاك الثغر يوضح لي مواقع اللثم في داج من الظلم وولد الغزي المذكور بغزة وبها قبر هاشم جد النبي صلى الله عليه وسلم - وتوفي بين مرو وبلخ من بلاد خراسان ودفن ببلخ‏.‏

واما كون هاشم قبره بغزة فذكر عبد الملك بن هشام ان اول من سن الرحلتين لقريش‏:‏ رحلة الشتاء والصيف‏:‏ هاشم بن عبد مناف جد النبي - صلى الله عليه واله وسلم - ثم هلك هاشم بغزة من ارض الشام تاجراً فقال مطرود بن كعب الخزاعي يبكيه‏:‏ وهاشم في ضريح وسط بلقعة تسقى الرياح عليه بين غزات قال اهل العلم باللغة‏:‏ انما قال غزات‏:‏ وهي غزة واحدة كانه سمى كل ناحية منها باسم البلدة وجمعها على غزات فصارت من ذلك الوقت تعرف بغزة هاشم لان قبره بها لكنه غير طاهر لا يعرف والى ذلك اشار ابو نواس الشاعر المشهور لما توجه الى مصر ليمدح ابن عبد الحميد صاحب ديوان الخراج ذكر المنازل في طريقه فقال‏:‏ طوالب بالركبان غزة هاشم وبالفرما من حاجهن شقور والفرما بفتح الفاء والراء المدينة العظمى التي كانت كرسي الديار المصرية في زمن ابراهيم الخليل - صلى الله عليه وسلم - ومن بعض قراها‏:‏ هاجر ام اسماعيل - صلى الله عليه وسلم - من قرية تسمى ام العرب ومن الاتفاق الغريب ان اسماعيل ابو العرب وامه من ام العرب والشقور بضم الشين المعجمة والقاف‏:‏ بمعنى الامور المهمة اللاصقة بالقلب‏.‏

وفيها توفي الاخشيد اسماعيل بن الفضل الاصبهاني‏.‏

وابن الغزال ابو محمد عبدالله بن محمد المصري المجاور شيخ صالح مقرىء‏.‏

وفيها توفيت ام ابراهيم فاطمة بنت عبدالله بن احمد الاصبهانية - رحمها الله -‏.‏

وفيها توفي الفقيه الحافظ الظاهري نزيل بغداد ابو عامر العبدري محمد بن سعدون‏.‏

قال ابن عساكر‏:‏ كان فقيهاً على مذهب داود وكان احفظ شيخ لقيته قال القاضي ابو بكر ابن العربي‏:‏ هو اثبت من لقيته وقال ابن ناصر‏:‏ كان فهماً عالماً متعففاً مع فقر وقال السلفي‏:‏ كان من اعيان علماء الاسلام متصرفاً في فنون كثيرة وقال ابن عساكر‏:‏ بلغني انه قال‏:‏ اهل البدع يحتجون بقوله تعالى ‏"‏ ليس كمثله شيء ‏"‏ - الشورى - اي في الالهية لا في الصورة لم يحتج بقوله تعالى ‏"‏ لستن كاحد من النساء ان اتقيتن ‏"‏ - الاحزاب - اي في الحرمة‏.‏

وفيها توفي محمد بن عبدالله بن تومرت - بضم المثناة من فوق وفتح الميم وسكون الراء والمثناة في اخره المصمودي البربري الهرغي بفتح الهاء وسكون الراء بعدها غين معجمة نسبة الى هرغة‏:‏ وهي قبيلة كبيرة من المصامدة في جبل السوس في اقصى المغرب ينتسب الى الحسن بن علي بن ابي طالب - رضي الله تعالى عنهما - الملقب بالمهدي رحل الى المشرق ولقي الامام ابا حامد الغزالي وطائفة وحصل فنوناً من العلم والاصول والكلام والحديث وحج واقام بمكة مدة مديدة وكان رجلاً ورعاً ساكناً ناسكاً زاهداً متقشفاً شجاعاً جلداً عاقلاً عميق الفكر بعيد الغور فصيحاً مهيباً لذاته في الامر بالمعروف والنهي عن المنكر والجهاد صاحب دعوة عبد المؤمن بن علي بالمغرب نشا هناك ثم رحل الى المشرق في شيعته طالباً للعلم فانتهى الى العراق وكان كثيراً ظرافاً بساماً في وجوه الناس مقبلاً على العبادة لا يصحبه من متاع الدنيا الا عصا وركو وكان متحملاً للاذى من الناس وناله بمكة شيء من المكروه فخرج منها الى مصر وبالغ في الانكار فزادوا في اذاه وطردته الدولة - وكان اذا خاف من البطش وايقاع الفعل به خلط في كلامه فينسب الى الجنون - فخرج من مصر الى الاسكندرية وركب البحر متوجهاً الى بلاده وكان قد راى في منامه وهو في بلاد الشرق كانه شرب ماء البحر جميعه كرتين فلما ركب في السفينة شرع في تغيير المنكر جميعه على اهل السفينة والزمهم اقامة الصلاة وقراءة الاحزاب من القران ولم يزل على ذلك حتى انتهى الى المهدية - احدى مدن افريقية - وكان ملكها يومئذ الامير يحيى بن تميم بن المعز الصبهاجي وذلك في سنة خمس وخمس مائة على ما ذكر في تاريخ القيروان‏.‏

وذكر غيره انه اجتاز في رجوعه من العراق بافريقية ايام ولاية الامير تميم والد يحيى المذكور والله اعلم بالصواب‏.‏

ولما وصل الى المهدية نزل في مسجد مغلق وهو على الطريق وجلس في طاق شارع الى المحجة ينظر الى المارة فلا يرى منكراً من عادة الملاهي او اواني الخمور الا نزل اليها وكسرها وتسامع الناس به في البلاد فجاووا اليه وقرؤوا عليه كتباً من اصول الدين وبلغ خبره الامير فاستدعاه مع جماعة من الفقهاء‏.‏

فلما راى سمته وسمع كلامه اكرمه واجله وساله الدعاء فقال له‏:‏ اصلحك الله تعالى لرعيتك ولم يقم بعد ذلك في المهدية الا اياماً يسيرة ثم انتقل الى بجاي واقام بها مدة وهو على حاله في الانكار فاخرج منها الى بعض قراها واسمها ملال فوجد بها عبد المؤمن بن علي القيسي‏.‏

وذكروا في بعض تواريخ المغرب عن سيرة ملوكه ان محمد بن تومرت كان قد اطلع من علوم اهل البيت على كتاب يسمى الجف‏:‏ بفتح الجيم وسكون الفاء وفي اخره راء - وسياتي ايضاح الجفر المذكور ان شاء الله تعالى في سنة ثمان وخمسين - وانه راى فيه صفة رجل يظهر بالمغرب الاقصى بمكان يسمى السوس من ذرية الرسول - صلى الله عليه وسلم - يدعو الى الله عز وجل يكون مقامه ومدفنه بموضع من المغرب يسمى بترمذ - وسياتي ضبط حروفه بعد ان شاء الله تعالى - وراى فيه ايضاً ان استقامة ذلك الامر واستيلاءه وتمكنه يكون على يد رجل من اصحابه هجاء اسمه ع ب د م و م ن وتجاوز وقته المائة الخامسة للهجرة فاوقع الله في نفسه انه القائم باول الامر وان اوانه قد ازف فما كان يمر بموضع الا سال عنه ولا يرى احداً الا اخذ اسمه وتفقد حليته - وكانت حلية عبد المؤمن معه - فبينا هو في الطريق اذ راى شاباً قد بلغ اشده على الصفة التي منه فقال له وقد تجاوزه‏:‏ ما اسمك يا شاب فقال‏:‏ عبد المؤمن فرجع اليه وقال‏:‏ الله اكبر انت بغيتي فنظر في حليته فوافقت ما عنده فقال له‏:‏ ممن انت فقال‏:‏ من كومية - بضم الكاف وسكون الواو وكسر الميم وفتح المثناة من تحت - قبيلة فقال‏:‏ اين مقصدك فقال‏:‏ الشرق فقال‏:‏ ما تبغي من الشرق قال‏:‏ اطلب علماً قال‏:‏ فقد وجدت علماً وشرفاً وذكراً اصحبني تنله فوافقه على ذلك فالقى محمد اليه امره واودعه سره‏.‏

وكان محمد قد صحب رجلاً يسمى عبد الله الونشريشي بالنون بعد الواو ثم الشين المعجمة مكررة قبل الراء والمثناة من تحت وبعدهما - ففاوضه فيما عزم عليه من القيام فوافقه على ذلك اتم الموافقة‏.‏

وكان الونشريشي ممن تهذب وقرا فقهاً وكان جميلاً فصيحاً في لغة العرب واهل المغوب فتحدثاً يوماً في كيفية الوصول الى الامر المطلوب فقال محمد لعبد الله‏:‏ اترى ان تستر ما انت عليه من العلم والفصاحة عن الناس وتظهر من العجز واللكن والحصر والتعري عن الفضائل ما تشتهر به عند الناس ليتخذ الخروج واكتساب العلم دفعة واحدة ليقوم لك ذلك مقام المعجزة عند حاجتنا اليه فتصدق فيما تقوله‏.‏

ففعل عبد الله ذلك‏.‏

ثم ان محمداً استدعى اشخاصاً من اهل المغرب اجلاداً في القوى الجسمانية اغماراً وكان اميل الى الاغمار من اولي الفطن والاستبصار فاجتمع له منهم ستة سوى الونشريشي ثم انه رحل الى اقصى المغرب واجتمع بعبد المؤمن بعد ذلك وتوجهوا جميعاً الى مراكش - وسلطانها يومئذ علي بن يوسف بن سفيان وكان ملكاً عظيماً حليماً ورعاً عادلاً متواضعاً وكان بحضرته رجل يقال له ملك بن وهيب الاندلسي - وكان عالماً صالحاً وشرع محمد في الانكار على جاري عادته حتى انكر على ابنه الملك - وله في ذلك قصة يطول شرحها فبلغ خبره الملك وانه يحدث في تغير الدولة فتحدث ملك بن وهيب في امره وقال‏:‏ تخاف من فتح باب يعسر علينا سده والراي ان تحضر هذا الشخص واصحابه ليسمع كلامهم بحضور جماعة من علماء البلد اجاب الملك الى ذلك - وكان محمد واصحابه مقيمين في مسجد خراب خارج البلد - وطلبوهم فلما ضمهم المجلس قال الملك لعلماء بلده‏:‏ سلوا هذا الرجل ما يبغي منا فانتدب له قاضي المرورية واسمه محمد بن اسود - فقال‏:‏ ما هذا الذي يذكر عنك من الاقوال في حق الملك العادل الحليم المنقاد الى الحق المؤثر طاعة الله - عز وجل - على هواه فقال محمد‏:‏ اما ما نقل عني فقد قلته ولي من ورائه اقوال واما قولك انه يؤثر طاعة الله عز وجل على هواه وينقاد الى الحق فقد ظهر صحة اعتبار هذا القول عنه لتعلم بتعريته عن هذه الصفة انه مغرور بما يقولون له وتطرونه به مع علمكم ان الحجة عليه متوجهة - فهل بلغك يا قاضي ان الخمر تباع جهاراً وان الخنازير تمشي بين المسلمين وتؤخذ اموال اليتامى - وعد من ذلك شيئاً كثيراً‏.‏فلما سمع الملك كلامه ذزفت عيناه واطرق حياء ففهم الحاضرون من فحوى كلامه انه طامع في المملكة لنفسه‏.‏

ولما راوا سكوت الملك وانخداعه لم يتكلم احد منهم فقال ملك بن وهيب - وكان كثير الاجتراء على الملك‏:‏ - ايها الملك ان عندي لنصيحة ان قبلتها حمدت عاقبتها وان تركتها لم تامن غائلتها فقال الملك‏:‏ ما هي قال‏:‏ اني خائف عليك من هذا الرجل وارى انك تعتقله واصحابه وتنفق عليهم كل يوم ديناراً لتكفي شره وان لم تفعل ذلك لينفق عليك خزائنك كلها ثم لا ينفعك ذلك‏.‏

فوافقه الملك فقال وزيره‏:‏ يقبح بك ان تبكي من موعظة هذا الرجل ثم تسيء اليه في مجلس واحد وان يظهر منك الخوف منه - مع عظم ملكك - وهو رجل فقير لا يملك سد جوعه‏!‏‏!‏ فلما سمع الملك كلامه اخذته عزة النفس واستهون امره وصرفه وساله الدعاء‏.‏

وحكى صاحب كتاب المغرب انه لما خرج من عند الملك لم يزل وجهه تلقاء وجهه الى ان فارقه فقيل له‏:‏ نراك تادبت مع الملك‏!‏ فقال‏:‏ اردت ان لا يفارق وجهي الباطل ما استطعت حتى اغيره‏.‏فلما خرج محمد واصحابه من عند الملك قال لهم‏:‏ لا مقام لنا مع وجود ملك بن وهيب فما نامن ان يغادر الملك في امرنا فينا لنا منه مكروه وان لنا بمدينة اغمات اخاً في الله فنقصد المرور به فلم نعدم منه راياً وايماء صالحاً واسم هذا الشخص عبد الحق بن ابراهيم من فقهاء المصامدة - فخرجوا اليه ونزلوا عليه واخبره محمد خبرهم واطلعه على مقصدهم وما جرى لهم عند الملك فقال عبد الحق‏:‏ هذا الموضع لا يحميكم وان احصن هذه المواضع المجاورة لهذا البلد تينمل بكسر المثناة من فوق وسكون المثناة من تحت وبعدها نون ثم ميم مفتوحة ولام مشددة - في المكان الفلاني وبيننا وبين ذلك مسافة يوم في هذا الجبل فانقطعوا فيه برهة ريثما ينسى ذكركم‏.‏

فلما سمع محمد بهذا الاسم تجدد له ذكر اسم الموضع الذي راه في كتاب الجفر فقصده مع اصحابه فلما اتوه راهم اهله على تلك الصورة فعلموا انهم طلاب العلم فقاموا اليهم واكرموهم وتلقوهم بالترحاب واكرموهم في اكرم منازلهم‏.‏

وسال الملك عنهم بعد خروجهم من مجلسه فقيل له‏:‏ انهم سافروا فسره ذلك وقال‏:‏ تخلصنا من الاثم بحسبهم‏.‏

ثم ان اهل الجبل تسامعوا بوصول محمد اليهم - وكان قد سار فيهم ذكره فجاؤوه - من كل فج عميق وتبركوا بزيارته وكان كل من اتاه استدناه وعرض عليه ما في نفسه من الخروج على الملك فان اجابه اضافه الى خواصه وان خالقه اعرض عنه وكان يستميل الاحداث وذوي الغباوة وكان ذو الحلم والعقل من اهاليهم يهنونهم ويحذرونهم من اتباعه ويخوفونهم من سطوة الملك فكان لا يتم له مع ذلك حال‏.‏

وطالت المدة وخاف محمد من مفاجاة الاجل قبل بلوغ الامل وخشي ان يطرا على اهل الجبل من جهة الملك ما يحوجهم الى تسليمه اليهم والتخلي عنه فشرع في اعمال الحيلة فيما يشاركونه فيه ليبغضوا على الملك بسببه فراى بعض اولاد القوم شقراً زرقاً والوان ابائهم السمرة والكحل فسالهم عن سبب ذلك فلم يجيبوه فالزمهم الاجابة فقالوا‏:‏ نحن من رعية هذا الملك وله علينا خراج في كل سنة يصعد مماليكه الينا وينزلون في بيوتنا ويخرجوننا عنها ويستحلون من فيها من النسوان فياتي الاولاد على هذه الصفة وما لنا قدرة على دفع ذلك عنا‏.‏

قال محمد‏:‏ والله ان الموت خير من هذه الحياة وكيف رضيتم بهذا - وانتم اضرب خلق الله بالسيف واطعنهم بالحربة‏!‏ - فقالوا‏:‏ بالرغم لا بالرضى‏.‏فقال‏:‏ ارايتم لو ان ناصراً نصركم على اعدائكم ما كنتم تصنعون قالوا كنا نقدم انفسنا بين يديه بالموت قالوا‏:‏ ومن هو قال‏:‏ ضيفكم‏.‏

يعني‏:‏ نفسه فقالوا‏:‏ السمع والطاعة‏.‏

وكانوا يغالون في تعظيمه فاخذ عليهم العهود والمواثيق واطمان قلبه‏.‏

ثم قال لهم‏:‏ استعدوا لحضور هؤلاء بالسلاح فاذا جاءكم فاجروهم على عوائدهم وخلوا بينهم وبين النساء وميلوا عليهم بالخمور فاذا سكروا فاذنوني بهم‏.‏

فلما حضر المماليك وفعل معهم اهل الجبل ما اشار به - وكان ليلاً - اعلموه بذلك فامر بقتلهم باسرهم فلم يمض من الليل سوى ساعة حتى اتوا على اخرهم ولم يفلت منهم سوى مملوك واحد كان خارج المنازل لحاجة وسمع النكبة عليهم والوقع بهم فهرب من غير الطريق حتى خلص من الجبل ولحق بمراكش واخبر الملك بما جرى فندم الملك على فوات محمد من يده وعلم ان الحزم كان مع ملك بن وهيب بما اشار به فجهز من وقته خيلاً بمقدار ما يسع ذلك الوادي فانه ضيق المسلك وعلم محمد انه لا بد من عسكر يخرج اليهم فامر اهل الجبل بالقعود على ابواب الوادي وراصده واستنجد لهم بعض المجاورين فلما وصلت الخيل اليهم اقبلت عليهم الحجارة من جانب الوادي مثل المطر - وكان ذلك من اول النهار الى اخره - وحال بينهم الليل ورجع العسكر الى الملك فاخبروه بما نزل بهم فعلم انه لا طاقة له باهل الجبل لتحصنهم فاعرض عنهم وتحقق محمد ذلك منه وصفا له مودة اهل الجبل فعند ذلك استدعى الونشريشي المذكور وقال له‏:‏ هذا اوان اظهار فضائلك دفعة واحدة لتقوم المعجزة لتستميل بك قلوب من لا يدخل في الطاعة‏.‏ثم اتفقا على انه يصلي الصبح ويقول بلسان فصيح بعد استعمال العجمة واللكنة في تلك المدة‏:‏ - اني رايت البارحة في منامي‏:‏ وقد نزل ملكان من السماء وشقا فؤادي وغلاه وحشياه علماً وحكمة وقراناً فلما اصبح قال ذلك - وهو فصل يطول شرحه - فاتفق انه انقاد له كل صعب القياد وعجبوا من حاله وحفظه القران في النوم فقال له محمد‏:‏ فعجل لنا بالبشرى في انفسنا وعرفنا‏:‏ اسعداء نحن ام اشقياء فقال له‏:‏ اما انت فانك المهدي القائم بامر الله ومن معك سعد ومن خالفك هلك ثم قال‏:‏ اعرض اصحابك علي حتى اميز اهل الجنة من اهل النار وعمل في ذلك حيلة قتل بها من خالف امر محمد وابقى من اطاعه - وشرح ذلك يطول - وكان غرضه ان لا يبقى في الجبل مخالف لمحمد‏.‏فلما قتل من قتل علم محمد ان في الباقين من له اهل واقارب قتلوا وانهم لا تطيب قلوبهم بذلك فجمعهم وبشرهم بانتقال ملك مراكش اليهم واغتنامهم اموالهم فسرهم ذلك وسلاهم عن اهلهم‏.‏

وبالجملة فان تفصيل هذه الواقعة طويل وخلاصة الامر ان محمداً لم يزل حتى جهز جيشاً عدد رجاله عشرة الاف - ما بين فارس وراجل - وفيهم عبد المؤمن والونشريشي واصحابه كلهم واقام هو بالجبل فنزل القوم لحصار مراكش واقاموا عليها شهراً ثم كسروا كسرة شنيعة وهرب من سلم من القتل وكان فيمن سلم عبد المؤمن وقتل الونثسريشي وبلغ محمداً الخبر - وهو بالجبل - وحضرته الوفاة قبل عود اصحابه اليه فاوصى من حضر ان يبلغ الفائبين ان النصر بهم والفاقبة حميدة فلا يضجروا وليعتادوا القتال وان الله سيفتح على ايديهم - والحرب سجال - وانكم ستقومون ويضعفون وسيفتح لكم وتكثرون ويقفون وانتم في مبدا امروهم في اخره - ومثل هذه الوصايا واشباهها وهي وصية طويلة‏.‏

ثم انه توفي رحمة الله تعالى في السنة المذكورة ودفن في الجبل وقبره هناك مشهور يزار‏.‏

وكانت ولادته يوم عاشوراء سنة خمس وثمانين واربع مائة واول دعانه الى هذا الامر سنة اربع عشرة وخمس مائة وكان رجلاً ربعة قصيراً اسمر عظيم الهامة حاد النظر‏.‏

قال صاحب كتاب المغرب في اخبار اهل المغرب في حقه‏:‏ اثاره تنبئك عن اخباره وحتى كانك بالفا قدم في الثرى وهذة في الثريا ونفس ترى اراقة ماء الحياة دون ماء المحيا‏.‏

وكان قوته - من غزل اخت له - رغيفاً في كل يوم بقليل سمن او زيت ولم ينتقل عن هذا حين كثرت عليه الدنيا وراى اصحابه يوماً - وقد مالت نفوسهم الى كثرة ما غنموه - فامر بضم جميعه فاحرقه وقال‏:‏ من كان يبتغي الدنيا فما له عندي الا ما راى ومن يبتغي الاخرة فجزاؤه على الله تعالى وكان على خمول زيه وبسط وجهه مهيباً منيع الحجاب الا عند مظلمة وله رجل مخص بخدمته والاذن عليه وكان له شعر ومن ذلك‏:‏ اخذت باعضادهم اذ ناوا وخلفك القوم اذ ودعوا فكم انت تنهي ولا تنتهي وتسمع وعظاً ولا تسمع فيا حجر الشجر حتى متى تسد الحديد ولا تقطع وكان كثيراً ما ينشد‏:‏ تجرد من الدنيا فانك انما خرجت الى الدنيا وانت مجرد ولم يفتتح شيئاً من البلاد وانما قرر القواعد ومهدها ورتبها وكانت الفتوحات على يد عبد المؤمن كما سياتي في ترجمته - ان اول ما اخذ تلمسان ثم فاس ثم سلا ثم سبتة ثم مراكش واستوثق له الامر وامتد ملكه الى المغرب الاقصى والادنى وبلاد افريقية وكثير من بلاد الاندلس‏.‏ومما ذكر بعض المؤرخين انه ادعى الامامة وانه معصوم قال‏:‏ وكان على طريقة مثلى لا تنكر معه العظمة وقيل‏:‏ كان حاذقاً في ضرب الىمل وقيل‏:‏ اتفق لعبد المؤمن انه كان قد راى انه جمل في صحفة مع ابن تاشفين ثم اختطف الصحفة منه فقال له المعبر هذه الىؤيا‏:‏ لا ينبغي ان تكون ذلك بل هي لرجل يخرج على ابن تاشفين ثم يغلب على الامر‏.‏

وذكر انه بعدما انكسرت المصادمة انتصرت مرة اخرى ثم استنجد امرهم واخذوا في شن الفارات في بلاد ابن تاشفين وكثر الفاخلون في دعوتهم‏.‏

وكان ابن تومرت لم يزل على لون واحد من الزهد والتقلل والعبادة واقامة السنن والشعائر‏.‏

قال‏:‏ غير انه افسد بالدعاء - كونه المهدي - وبسرعته في الدعاء وكان ربما كاشف اصحابه ووعدهم بامور فيوافق وكان طويل الصمت حسن الخشوع والسمت رحمه الله تعالى‏.‏

وفيها توفي الامر باحكام الله ابو علي منصور بن المستعلي بالله العبيدي - صاحب مصر - كان مشتهراً بالظلم والفسق امتدت دولته ثلاثين سنة‏.‏فلما تمكن وكبر قتل وزيره الافضل واقام في الوزارة الشامون البطائحي ثم صادره وقتله ولما خرج الى الجيزة في وقت كمن له قوم بالسلاح فلما مر على الجسر نزلوا عليه بالسيوف ولم يكن له عقب فبايعوا بعده ابن عمه الحافظ عبد الحميد ابن الامير محمد بن المستنصر‏.‏

وفيها توفي ابو محمد بن الاكفاني هبة الله بن احمد بن محمد الانصاري الدمشقي الحافظ‏.‏

وفيها توفيت فاطمة الجوزدانية بالجيم وبعد الواو زاي وذال معجمة وبين الالف وياء النسبة نون ام ابراهيم بنت عبدالله الاصبهانية سمعت من ابن ريذة معجم الطبراني وعاشت تسعاً وتسعين سنة‏.‏

وفيها توفي الشيخ الكبير الولي الشهير الفارف بالله الخبير ذو الكرامات الكريمات والاحوال العظيمات والمقامات العلية والطريقة السنية ابو عبدالله حماد بن مسلم الدباس كان امياً وفتح عليه بالمعارف والاسرار وصار قدوة للمشايخ الكبار وكبرت به الاصاغر وهو الشيخ الذي خضعت له رقاب الشيوخ الاكابر محيي الدين ابي محمد عبد الفادر الجيلاني - رضي الله تعالى عنهم ونفعنا بهم امين - ولكل واحد من الكرامات ما لا يسعه الا مجلمات وقد ذكرت شيئاً من ذلك في غير هذا الكتاب يدهش من سمعه من ذوي القلوب والالفاب وكانت وفاة الشيخ المذكور ذي المناقب المشهورة في شهر رمضان من السنة المذكورة‏.‏

وفيها توفي عن ثمان وثمانين سنة الولي الكبير الشهير الامام النجيب النبيه المعروف بالشيخ محمد بن عبدويه‏:‏ المشهور بالفضل والورع والاحسان المدفون في بلاد اليمن في جزيرة كمران - بفتح الحروف الثلاثة - تفقه على الشيخ الامام ابي اسحاق الشيرازي في بغداد بكتابه المهذب ومسائل الخلاف وبكتبه في الاصول والجدل ودخل اليمن بكتاب المهذب وهو اول من دخل به اليمن - على ما بلغني - وسكن عدن مدة ثم انتقل الى زبيد - وملوكها الحبشة يومئذ - فدخلها مفضل بن ابي البركات بعسكر من العرب وكان للشيخ المذكور مال يتجر به فانتهب مع جملة ما نهب من زبيد قال الامام المعروف بابن سمرة في تاريخه‏:‏ واظن ذلك وقع في الوقعة الاولى سنة تسمع وتسعين واربعمائة‏.‏

ثم خرج ابن عبدويه المذكور فسكن في جزيرة كمران قلت وبها توفي وانا ممن زار قبره هنالك‏.‏

قال ابن سمرة‏:‏ وكانت اهل التوحيد واهل الجلالات - ياتون للسلام عليه ويقبلون راسه - وهو قاعد - وكان كثير الزهد والورع متحرياً في المطعم لا ياكل الا الارز من بلاد الهند وكان عبيده يسافرون الى الحبشة والهند ومكة وعدن للتجارة فاخلف الله تعالى عليه اموالاً فكان ينفق على طلبة العلم منها وكان ظاهر التقوى مؤالفا للمسلمين من كل افق‏.‏

وله تصنيف في اصول الفقه سماه الارشاد وكان له ولد عالم بعلم الكلام والاصول مع تنوير في الفقه يسمى عبدالله تفقه بابيه ومات قبله في سنة ثلاث وعشرين وخمس مائة ودفن في الجزيرة المذكورة ودفن والده لما توفى الى جنبه وقبرهما هنالك بجنب المسجد يزاران يزورهم الصالحون وغيرهم ويتبرك بترابهما‏.‏

قال ابن سمرة‏:‏ وله ذرية فقراء في هذه الجزيرة الى اليوم وهم ذوو مروءة ودين وذكر انه حج من عدن في البحر مع الشيخ الكبير الولي الشهير‏:‏ مدافع بن سعيد التميمي ومروا بالجزيرة المذكورة في سنة اربع وسبعين وخمس مائة فكنا نقصد القبرين ونزورهما واردين وصادرين ونتبرك بالمسجد والقبرين واثار الفقيهين واثار التدريس‏.‏

وفي المسجد ختمة موقوفة ذكر بعض ذرية الشيخ محمد انه بخط جده محمد المذكور هذا بعض كلام ابن سمرة في ذلك‏.‏

قلت‏:‏ وقد زرت المسجد والقبرين فادركت بعض ذرية الوليين المذكورين واضافوني خبزاً وتمراً وملما وسمكاً يقال له الشيراز وكان الشيخ في ذلك الزمان لمكان الشيخ احمد الاسوم من اهل الصلاح وممن اشار اليه بالسر والصلاح وكان الشيخ ابن عبدويه المذكور معظماً عند الناس غزير العلم كريم النفس ارتحل اليه خلائق من فقهاء اليمن من بلمان شتى لعلمه وجوده واتقانه وفهمه واخذوا عنه العلم وكتب للشيخ ابي اسحاق المهذب وغيره والتاريخ قراه بعضهم عليه في سنة تسع عشرة وخمس مائة كان قد ابتلي بذهاب البصر فقال عند ذلك مخاطباً لنفسه - رحمة الله عليه -‏:‏ وقالوا قد دها عينيك سوء فلو عالجته بالقدح زالا فقلت الىب مختبري بهذا فان اصبر انل منه الجلالا وان اجزع حرمت الاجر منه وكان حصيصتي منه الوبالا واني صابر راض شكور ولست مغيراً ما قد انا لا صنيع مليكنا حسن جميل وليس لصنعه شيء مثالاً وربي غير متصف بحيف تعالى ربنا عن ذا تعالى ولما توفي ولده المتقدم ذكره رثاه بعض فقهاء اليمن بقصيدة قال في بعضها‏:‏ امن بعد عبدالله نجل محمد يصون دموع العين من كان مسلما وفي السنة المذكورة توفي ابو العلاء - ابن عبد الملك الايادي الاشبيلي طبيب الاندلس صاحب التصانيف حدث عن ابي الغساني وجماعة وله شعر رائق ورئاسة كبيرة‏.‏وفيها توفي الملقب بعين القضاة ابو المعالي عبدالله بن محمد الهمداني الفقيه العلامة الاديب واحد من يضرب به المثل في الذكاء الفارع النجيب دخل فى مذهب التصوف واخذ في الكلام والاشارات الدقيقة وما لا يفهمه الخلق من اسرار الحقيقة مما نسب فيه الى الكفيان فقتل به مصلوباً بهمذان‏.‏

وفيها توفي السلطان مغيث الدين محمود ابن السلطان محمد بن ملكشاه السلجوقي وكان قد خطب له ببغداد وغيرها وله معرفة بالنحو والشعر والتاريخ وكان شديد الميل الى اهل العلم والخير - وتوفي بهمذان‏.‏

وفيها توفي مسند العراق هبة الله بن حصين الشيباني البغدادي‏.‏

وفيها توفي محمد بن عبد الملك بن زهير الايادي الاندلسي الاشبيلي من اهل بيت كلهم وزراء وعلماء ورؤساء وحكماء‏.‏

قال الحافظ ابو الخطاب ابن دحية في كتابه المسمى المطرب من اشعار اهل المغرب وكان شيخنا ابو بكر - يعني ابن زهير المذكور بمكان من اللغة مكين ومورد من الطب معين كان يحفظ شعر ذي الىمة وهو ثلث لغة العرب مع الاشراف على جميع اقوال اهل الطب والمنزلة العلما عند اصحاب المغرب مع سمو النسب وكثرة الاموال والنشب صحبته زماناً طويلاً واستفدت منه ادباً جليلاً ومن شعر ابن زهير المذكور وقد

اني نظرت الى المراة اذ جليت ** فانكرت مقلماي كل ما رانا

رايت فيها شويخاً لست اعرفه ** وكنت اعهده من قبل ذاك فتى

فقلت‏:‏ اين الذي بالامس كان هنا متى ترحل عن هذا المكان متى فاسضحكت ثم قالت وهي معجبة ان الذي انكرته مقلماك اتى كانت سليمى تنادي يا اخي وقد صارت سليمى تنادي اليوم يا ابتا قلت وقد عارضت هذه الابيات لما انشدها بعض المغاربة بقصيدة تنيف على ثمانين بيتاً سميتها‏:‏ الرياض في الوعظ والاتعاظ وفي بيان حدود الاسنان والعراض وهي هذه‏:‏ وناعم فاقد الفا يذكرنا نجداً واحداً وسلما والصفا ومنى ومن بها حل والعيش الذي انصرمت واللمالي التي فيها بلوغ منى وسادة كانت الايام زاهرة بالنور واليمن فيهم زينوا اليمنا ما بين حلى سقي من غيث رحمته - ربي - ثرى من بها ثاو ومن عدنا ان قلت في فضل سادات لنا سلفوا فقول حسان في الاسلاف قد حسنا لكنني في مديحي قد عممت به شيوخ الاسلام لم اخصص احبتنا يا من راى منقبات الشيب منقصه لم تدر كم قيل في علماه حدثنا وكم روى من امام نور ذاك عدا وما به من وقار قد رووه لنا كذلك الحق يستحيي تبارك من ذي شيبة كلها تروي ائمتنا صغرته اذ شويخاً قلت مع خطا التصغير ايضاً خطا واوبه قرنا كبره واقصد به تعظيم حرمة من بالدين دانوا وزانوا بالحلي الزمنا قل غيرنا وبه للنفس مدحتها فالله يعلم منك السر والعلنا لما نظرت الى المراة قد جليت شاهدت في تلك شيخاً قد علاه سنا فقلت من ذا وعهدي قبل ذاك فتى بالزهور يرفل في ثوب الشباب هنا فقال منها لمان الفال ذاك مضى في ليل جهل قبيل الصبح حين دنا وذا بدا حين فجر العقل ضاء به نور الوقار مع الاحلام قد سكنا وبين ذين بدت اعلام نور بها كهولة زانها وشي وحسن ثنا وهكذا العمر دولات كفاكهة زهو وارطابها قد اورثت شحنا تكدير صفو ومن بعد الحياة فنا فالحزن يتلو سروراً والبكاء عنا منازل الشيخ من خمسين قبل بدت من اربعين وفيها الانتهاء فنا وبعد ذاك رحيل نحو دار بقا فيها نعيم وسعد وشقا وعنا حسب اكتساب لماعات ومعصية اليهما الفابق المقدور قاد لنا فضلاً وعدلاً ومن شاء الكريم حبا عفواً وخير الذي عصيانه ودنا منازل الكهل بين المنزلين ثوت للصاليحن بها عيش القلوب هنا الى نهايات غايات الحياة بها رياض فضل لارباب القلوب مفا وللجنان جنان الوصل مثمرة فكم فواكه فيها للنفوس من حنا على مدى الدهر قد زادت زكاوتها لذاذة عند ذي ذوق وطيب جنا من فاكهات فعال الصالفات جنوا وذو البطالات يجني الشوك مشبهنا يا مشبهي يافعي في بطالته وضيعة العمر قولوا يا مصيبتنا يا حسرتا بالنحاس الدون جوهرة النفيس بعنا وما الدنيا له ثمنا هل بعدما ابيض زرع في منارعه الا حصاد وهل في وقت ذاك ونا حصد القضا بغتة تاتيه امنية خف النوازل فالمغرور من امنا فكم صغير زروع حصد ذاك اتى فانهض بعزم وحزم عل ذاك دنا شمر وعمر بحصن القلب حارسه ومن العدو الذي امسى له وطنا اين الجهاد واكثار السهاد اذا لذ الىقاد نفى عن طرفه الوسنا واين تاديب نفس في رياضتها بالجوع والصمت والسمت الذي حسنا وبئس مثلي بثوب العجز مشتملاً نحو التكاسل قد مهر الجياد ثنا يلقى علائقه امست عوائقه عن كسب خير وفي القلب الونا وطنا سلم الذنوب وداء من عيوب هوى قد صيرا كل من قد ثبط زمنا يا بارد القلب يا خالي الفؤاد ومن ما هزه ذكر من في حاجز سكنا ولا نسيم صبا نجد الغرام ولا نشر الحزام ولا من في النقا عطنا ولا خيام لسلمى دون ذي سلم ولا العقيق ومن من رامتين دنا ولا لنعما ونعمان هواه ولا يشتاق في المنزل الاصلي الىضا وطنا ولا دنا من خيام في حمى وهوى نور الجمال الذي كم عاشق فتنا مثلي بعيد وكل قد الم به النذير لاه ومن سطواته امنا نذير هادم لذات الشبيب فتى مفيق لجماعات الصحاب دنا ومسكت ذا فصاحات به شمت الا عدا وسروا واحباب بكوا حزنا وقدموا لرحيل حان مركبه مطية الىاحلين النعش والكفنا وشيعوه الى ان جاء منزله تحت الجنادل في بيت البلاد فنا في ضيق للحد ترعى الدود اكلة خدين يا طالفا بالحسن قد فتنا ومقلة حل فيها الحسن سائلة وطيب الريح اضحى جيفه نتنا وبعد ذاك نشور والىحيل الى دار الجزا فعذاب او لماء منا ما لا يبال ولا عين راته ولا لوصفه جاء ذكر طارق اذنا هذا مقالي تناهى في العراض وفي اعتذاري عن اللوم الملم بنا من ليس يمدح سلمى عندما جليت يحكي لمن في الثرى البدر البهي دفنا يا سامعاً لفظ نظمي لا تظن به مدحي لنفسي قبيح ان اقول‏:‏ انا لا تحسبن فيه تخصيصاً لمدحتها والله ما طرف قلبي نحو ذاك رنا لكني عارضت في مدح الشيوخ به من ذمهم في مديح والسباب عنى من لفظه ذاك مفهوم ومعذرتي في ذكر نفسي جلي عند من فطنا ما لي طريق ومراة بها نظري شخصي سوى ما ارى غيري بها كمنا الا الذي قلت في روم العراض به مثل الذي قال‏:‏ لاسوء يظن بنا والله ما ارتضي فيها مطالعتي كيلا ارى شين وجه للذنوب جنا هاك المقال الذي جاء العراض لمن قال له ينهى الفافيات بنا نظرت يوماً الى المراة اذ جليت فانكرت مقلماي عندما راتا رايت فيها شويخاً لست اعرفه وكنت اعرف فيها قبل ذاك فتى فقلت اين الذي بالامس كان هنا متى ترحل عن هذا المحل - متى بالله انصف من المداح ذين هدى منا ومن مادح الدنيا بما نعتا ها قد ثنت عن ثمانين العنان وما في مهرها من كلال نحو ذاك اتى على الثمانين قد نافت ثمانية تزهو رياض عراض في اوان شتا ختامها حمد ربي والصلاة على ختام رسل به الفاران كلمتا والال والصحب سامي المجد ما نغمت حمامتا ايكة خضرا وغردتا

انتهى مأخذنا من المكتبة الإسلامية من موقع الإيمان (http://www.al-eman.com/Islamlib/)

موقع الامام الغزالي